لقد شاهد العالم أجمع مؤخرا مناورات سيف عبد الله التي كان هدفها إرسال رسالة واضحة بأن المملكة دولة قادرة على صد أي عدوان تجاه أراضيها يستهدف أمنها وسلامة شعبها، لقد استعرضت المملكة جزءا يسيرا من قوتها العسكرية في هذه المناورات التي تعد الأكبر والأضخم في تاريخها، من خلال عرض عسكري مهيب قام به عشرات الألوف من جنودها البواسل تدعمهم مقاتلات ودبابات وسفن وأنظمة مضادة للصواريخ بحضور كبار رموز الدولة والدول الحليفة للمملكة أيضا، وعلى الرغم من قوة المناورة وعظمة الاستعراض إلا أن المملكة لا تفتأ تعيد الكرة وراء الأخرى بأنها بتلك المناورات لا تهدف أبدا لمهاجمة أي طرف من الأطراف، لأن العدوان وإلحاق الضرر بالآخرين ابتداء ليس سياسية الحكومة السعودية منذ نشأتها وحتى الآن. المحير في الأمر حقا هو موقف بعض الدول العظمى التي لا تتوقف عن تكرار الخطأ المرة تلو الأخرى، فالولاياتالمتحدة هي واحدة من الدول التي اكتوت بنيران إيرانية العدوانية، ومع ذلك فهي لاتزال وحتى الآن مترددة حيال الملف الإيراني النووي، لا يتميز موقفها بالثبات ولا بالحزم، تارة تتشدد في فرض عقوبات ضدها وتارة أخرى تتقهر بدعوى الانحياز للجهود الدبلوماسية، أما إيران نفسها فيبدو أن طموحاتها السياسية لاتزال مشتعلة منذ أن دكت جيوش المسلمين معاقل كسرى وحصونه وأوقعت خسائر فادحة بجيوشه وضمت أراضي الفرس لامبراطوريتهم العظيمة، ويبدو أنه من غير الحصافة أن نعول على جنوحهم للسلم وميلهم للاعتدال والتوقف عن تصدير ثورتهم التعيسة لدول الجوار. تعول إيران كثيرا على قوتها العسكرية، التي تراها لا تقارع ولا تبارى بين دول المنطقة، إلا أن ما اتضح للعيان أن دول الخليج وخاصة المملكة العربية السعودية ليست بأقل قوة من إيران أبدا، كما أنه لا يعجزها إطلاقا الحصول على مصادر لأسلحة الردع المناسبة في الأوقات التي ترتئيها وبالكيفية التي ترغبها، ولا يضر المملكة بأي صورة الغزل الأمريكي الإيراني الذي تشهده الساحة الدولية هذه الأيام، فالولاياتالمتحدة هي أول من سيصطلي بلهيب السياسة الإيرانية الهوجاء، أما المملكة فتتبع دبلوماسية حكيمة تعتمد على تأسيس علاقات طيبة مع الجميع وعلى تنويع تحالفاتها وتوطيد علاقاتها المشتركة بعدد من الدول المتقدمة وخاصة في المجال العسكري سواء من أشقائها من دول العالم الإسلامي أو من غيرهم، ويعلم الجميع أن المملكة تملك الكثير من الأنظمة العسكرية المتطورة غير أنها كشفت عن القليل منها فقط في مناوراتها الضخمة الأخيرة في رسالة رمزية لكل دول العالم، يقرؤها كل منهم بلغته الخاصة. تلوح إيران دوما بصواريخها الباليستية، كما أنها تظن أن السلاح النووي المعجزة! سيحقق لها طموحاتها التوسعية وسيمكنها من التحكم في دول الجوار، غير أن المملكة لا تحتاج طول الوقت إلى التصريح والرد على الترهات الإيرانية بما لديها، كما أن السلاح النووي ليس بمعجزة فقد بات بيد كثير من الدول الإسلامية ذات الصناعات العسكرية، غير أن المملكة تنفذ سياسة خارجية متوازنة لا تعتمد على عنصر واحد، فهي تمزج بين العلاقات الودية ونصرة الأشقاء وردع العدوانيين وصد أي هجوم محتمل في وقت واحد، ولذلك فسياستها تعتمد على التركيز على عدة أبعاد وليس على بعد واحد فقط كما تفعل السياسة الخارجية الإيرانية. تحضرني بهذا الصدد جملتان لكبار الساسة الغربيين في توصيف السياسة الخارجية الدولية، الأولى للمخضرم Ray Close التي قال فيها: إن الولاياتالمتحدة لا تستقبل الإشارات السياسية جيدا، ويعني أن السياسة الأمريكية لا تستوعب بسرعة كافية التغيرات التي تحدث بالعالم من حولها رغم أنها تتابعها عن كثب طيلة الوقت، وهو ما يؤدي لردود أفعال بطيئة وكارثية في أغلب الأحوال، وهو ما يؤيد ما قاله رئيس الوزراء البريطاني السابق Churchill عن أن العالم الغربي كان بإمكانه تجنب الحرب العالمية الثانية لو أنه أجاد فهم إشارات هتلر وفسرها على النحو الصحيح، وأنقذ العالم من هذه الكارثة المفجعة، نتمنى أن تكون رسالتنا قد وصلت، وأن يكون قد حسن فهم إشارتنا، فنحن أمة تجنح للسلم إن جنح له طامعونا .. سيوفنا تلوح بأيدينا وقد كتبنا عليها ما كتب على بيارقنا «لا إله إلا الله محمد رسول الله».