الاستعداد الإسرائيلي لاحتمال توجيه ضربة عسكرية الى إيران تجاوز المناورات التي أجراها سلاح الجو أواخر الشهر الجاري لمدة أربعة أيام، والمناورات المشتركة التي سيجريها خلال شهر مع سلاح الجيش الأميركي للتدرب على المنظومات الدفاعية التي قد تستخدمها الولاياتالمتحدة في حال نفذت هذه الضربة، كما تتجاوز المناورات التي ستشهدها إسرائيل على مدار خمسة أيام وفيها محاكاة لتعرض إسرائيل لمختلف أنواع الصواريخ بينها الكيماوية. فقد كشف مسؤول عسكري عن اتفاق إسرائيل مع دولة أوروبية للتعاون في حال توجيه هذه الضربة، وكشف أيضاً ان هذه الدولة شاركت في تجربة منظومة «حيتس» الدفاعية التي أجرتها إسرائيل قبل أكثر من شهر ومخطط لتنفيذ تجربة ثانية خلال مدة لا تتجاوز الشهرين وستشارك فيها مرة أخرى هذه الدولة... هذه الاستعدادات تزامنت مع التجربة الكورية للصاروخ النووي وتجربة إيران لصاروخ «سجيل-2» الذي يصل مداه الى أوروبا، فضلاً عن الصواريخ التي طورتها وتستطيع بها ضرب إسرائيل، رفع البحث في الملف الإيراني في أروقة المسؤولين الإسرائيليين، من عسكريين وسياسيين، الى رأس أجندتهم، واتسع النقاش ووصل الى الشارع الإسرائيلي وأثار ذعراً غير مسبوق لدى نسبة كبيرة من الإسرائيليين (85 في المئة من الإسرائيليين قالوا انهم قلقون و23 في المئة قالوا انهم يفكرون في الرحيل إذا نجحت إيران في تطوير سلاحها النووي). وقد ساهمت في ذلك التقارير الاستخبارية والعسكرية الإسرائيلية التي تدعي اقتراب موعد صناعة إيران للقنبلة النووية أكثر من أي وقت مضى وتشكيك المسؤولين بقدرة الولاياتالمتحدة على التفاهم مع إيران. وبينما كانت الأصوات المحذرة من خطر توجيه ضربة عسكرية الى إيران هي الأعلى، فان الفترة الأخيرة تشهد هدوءاً لهذه الأصوات فيما تسيطر الأصوات العسكرية والأمنية والسياسية الداعية الى توجيه ضربة عسكرية. الى ان أعلن نتانياهو تفضيله التصدي للملف النووي الإيراني على ملف المستوطنات وتلميحه لاحتمال توجيه ضربة عسكرية الى إيران بقوله: «إذا لم نواجه هذا الخطر نحن فلن يواجهه أحد غيرنا»... إذاً خطر ارتكاب حماقة إسرائيلية وتوجيه ضربة عسكرية لإيران بات اليوم أقرب من أي وقت مضى. تصريحات المسؤولين الإسرائيليين من نتانياهو وحتى وزير دفاعه ايهود باراك ورئيس أركان الجيش غابي اشكينازي، حول خطر الملف النووي باتت تثير الذعر لدى الإسرائيليين، ومع الترويج المبالغ فيه لمناورة «نقطة انعطاف-3» التي وصفت بالأكبر منذ قيام الدولة العبرية، وإثارة أجواء حربية مع بث الدعايات المتلفزة في كيفية التصرف في أيام المناورات وعند إطلاق صفارة الإنذار الى جانب مناقشة المناورة في مختلف المؤسسات الإسرائيلية من لجنة الخارجية والأمن وجلسة الحكومة والمجلس الوزاري المصغر، جعلت الإسرائيليين يشعرون ان الحرب قادمة لا محالة. المسؤولون الإسرائيليون وان حاولوا أكثر من مرة طمأنة مواطنيهم بأن المناورات على مختلف أشكالها هي حاجة ضرورية للجيش والجبهة الداخلية، إلا انهم رأوا في تجربة الصاروخ الكوري ضوءاً أحمر ما صعد حديثهم عن الموضوع. وقد ساندت هذه التجربة الأصوات الداعمة لضربة عسكرية على إيران انطلاقاً من ان السياسة التي تنتهجها الإدارة الأميركية من جهة والمجتمع الدولي من جهة أخرى لن تردع إيران عن صناعة القنبلة النووية. ويضيفون اليوم بأن ما حصل في كوريا أكبر دليل على خطر انتقال السيناريو الكوري الى إيران وهم يساندون نتانياهو في موقفه الداعي الى اتخاذ خطوات حاسمة وخلال فترة زمنية محدودة وقصيرة لمواجهة هذه الخطر. ويرى بعض السياسيين والعسكريين ان التصريحات التي تطلق اليوم من قبل مسؤولين حول ضربة عسكرية لإيران تحمل جدية أكثر من أي وقت مضى، وينقل هؤلاء تصريحات نتنياهو وأحاديثه في الجلسات المغلقة حول الموضوع، إذ يؤكدون انه يعمل انطلاقاً من قناعته بأن حصول إيران على قنبلة نووية يعني خطر فناء الدولة العبرية، وأن الوقت أخذ بالانتهاء وأن ساعة الحسم قد اقتربت. وكما يرى خبراء إسرائيليون فإن احتمال توجيه ضربة عسكرية الى إيران خلال فترة حكم نتانياهو بات واقعياً أكثر من أي وقت مضى. وبحسب هؤلاء فإن رؤساء حكومات سابقين إسرائيليين لم يصفوا التهديد الإيراني بالخطورة ذاتها التي يصفها به نتانياهو، ولم يحذر أي منهم من محرقة ثانية ومن دمار الشعب اليهودي في حال حصول إيران على قنبلة نووية. وكان نتانياهو وعد عشية الانتخابات انه إذا وصل الى رئاسة الحكومة فإن إيران لن تستطيع امتلاك قنبلة نووية. وفي رؤيتهم لسياسية نتانياهو يقول متخصصون ان رئيس الحكومة يعتبر حصول إيران على قنبلة نووية «تحول تاريخي عالمي»، من شأنه أن «يودِع السيطرة على مصادر الطاقة في العالم بأيدي طائفة ظلامية من آيات الله وتحول الدول العربية رغماً عنها إلى دول تابعة لطهران»، مضيفاً: «ان استمرار وجود الشعب اليهودي مرهون باستمرار وجود دولة إسرائيل. لكن ثمة حدود للمعجزات والشعب اليهودي لن يحصل على فرصة ثانية بعد محرقة أوروبا والبعث المتمثل بدولته المستقلة». حديث نتانياهو لا يعني ان الحرب مع إيران باتت محتمة، لكنه أراد بها رسالة لأكثر من هدف. ويقول الخبير العسكري الإسرائيلي يواف ليمور ان إسرائيل تريد تنفيذ عقوبات حازمة وقاسية والى جانبها تهديد واضح بعملية عسكرية بما يشبه الأجواء التي سادت قبيل العملية التي سبقت الحرب في العراق، وأدت في النهاية الى الاجتياح الأميركي وإسقاط نظام صدام حسين. ويضيف: «الإسرائيليون لا يؤمنون بأن هذا سيحصل مع الرياح الجديدة في الإدارة الأميركية برئاسة باراك أوباما ولذا يواصلون الاستعداد وهذا تصرف سليم ينبغي الحفاظ عليه، ليس لأنه سيقود بالضرورة الى العملية، بل لأنه سيترك كل الإمكانات مفتوحة أمام الحكومة. فضلاً عن ذلك، فإن التهديد بعملية يخلق دينامية خاصة به، إذ يمارس الضغط على الطرف الآخر وكذلك على كل دولة ثالثة تسعى الى منعها». ويؤكد ليمور انه محظور على الإسرائيليين الوقوع في خطأ الوهم بأن إسرائيل لا يمكنها مهاجمة إيران في غضون أيام، وبالتأكيد ليس ساعات، ويقول: «نحن نحتاج للأميركيين من أجل التنسيق، والمعلومات الاستخبارية، وتزويدنا بالأسلحة ووسائل القتال الملائمة، ونحتاج إليهم للإنقاذ في حال التورط، وبالأساس للإسناد بعد العملية. كل هذا لا يتحقق من طرف واحد، وعليه فكيفما نظرنا الى الأمر، فان الطريق الى الهجوم وكذلك الامتناع عنه يمر في واشنطن. وفي هذه اللحظة، أميركا هي جبهتنا الأساسية في الحرب ضد إيران. ويرى رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي السابق، غيورا ايلاند، ان الخلاف مع الولاياتالمتحدة ليس قليلاً إذ انه يتعلق أولاً بتقدير المدة التي سيكون خلالها بوسع إيران الحصول على قدرة تنفيذية كاملة. ففي حين يقدر خبراء إسرائيل حصول إيران على قنبلة نووية في غضون سنة فان الولاياتالمتحدة تتوقعه ما بين 2012 و2015. الخلاف الثاني، بحسب ايلاند، يتعلق بوجود خطة سلاح إيرانية تسمح بتحويل اليورانيوم المخصب الى قنبلة ويقول: «لقد لاحظ الأميركيون مثل هذا النشاط عام 2003، ولكن حين فهمت طهران بان خطتها انكشفت، سارعت الى هدم المصنع وإخفاء الأدلة. وفي تشرين الثاني (نوفمبر) 2007 نشرت الاستخبارات الأميركية تقريراً شاملاً، وادعت بأنه منذ 2003 لا توجد أدلة على استمرار وجود خطة سلاح نووي. استنتاج واضعي التقرير كان ان مثل هذه الخطة لا تنفذ، فيما استنتجت الاستخبارات الإسرائيلية ان الخطة تواصل تقدمها والإيرانيون ينجحون فقط في إخفائها. وبرأي ايلاند فان المشكلة الحقيقية اليوم تكمن في الفجوة القائمة بين السياسة الأميركية الرسمية التي تؤيدها إسرائيل، وبين السياسة الجديدة لأوباما. ويقول: «الجديد ليس في مجرد الاستعداد لإدارة حوار مع إيران بل في موضوع البحث والموافقة». أين يكمن القلق الإسرائيلي؟ يقول ايلاند انه إذا لم تسيطر إيران على عملية التخصيب، ولم تستطع إنتاج مادة مشعة، فإنها لن تتمكن أيضاً من الوصول الى قنبلة. ولكن، الاستعداد الإيراني للتنازل في هذا الموضوع متدن جداً ولذا يجب حشر إيران أمام واحد من أمرين: تحالف دولي قوي، يعزلها اقتصادياً، أو خيار عسكري ملموس. ولكن، يضيف ايلاند: «سلوك طهران في الأشهر الأخيرة يظهر انهم لا يخافون – لا من هذا ولا من ذاك. فالإيرانيون يؤمنون بأنه سيكون ممكناً التوصل مع الولاياتالمتحدةالجديدة الى صفقة وفي الوقت نفسه يواصلون تخصيب اليورانيوم (ظاهراً لأغراض سلمية)، وسيتعهدون فقط ألا يقيموا خطة إنتاج سلاح. وهكذا، يكون بوسع أوباما ان يدعي بأنه نجح في منع أحمدي نجاد من الوصول الى سلاح نووي، أما إيران من جهتها فستحصل على اعتراف بحكم الأمر الواقع بحقها في تخصيب اليورانيوم. في مثل هذه الحالة حتى لو جمدت خطة السلاح، فانه سيكون بوسعها ان تستأنفها، وان تنتج من تلك اللحظة قنبلة في غضون بضعة اشهر. وهنا يكمن القلق الإسرائيلي إذ سيكون من الصعب على إسرائيل التعايش مع وضع يكون فيه بوسع إيران في غضون فترة قصيرة الانتقال من وضع دولة تسيطر على التكنولوجيا النووية الى دولة يوجد لديها قنبلة». إزاء الأصوات العقلانية القريبة لموقف ايلاند هناك من يخرج بحملة تحريض تؤجج الأوضاع وتساهم في التحريض على عملية عسكرية. الكاتبة اليمينية امونا الون ترى ان على إسرائيل ان تقضي على المفاعل الإيراني لأنها خلافاً للولايات المتحدة، ملزمة بالقضاء على التهديد الإيراني بحد ذاته. وتبرر موقفها بالقول: «أحاديث أحمدي نجاد حول إبادة إسرائيل هي نوع من الإرهاب المتواصل مثل الإرهاب «المعياري» الذي لا تكمن قوته في عدد العمليات التي ينجح في تنفيذها خلال فترة معينة وانما بالتهديد الذي ينجح في فرضه على الشوارع طوال تلك الفترة كلها، إذ أن قوة التهديد الإيراني لا تتمثل بما قد يترتب على هذه الذرة الشريرة، وانما بالسحابة العابرة التي تخيم فوق وجودنا ووجود دولة اليهود الصغيرة». ولتجنيد متخذي القرار الى جانب موقفها تقول: «القضاء على إسرائيل جسدياً ممكن مرة واحدة فقط، ولكن القضاء على إصرارها وصمودها يمكن ان يحدث من دون نهاية، وأحمدي نجاد لن يتنازل عن هذه المتعة ان لم تقم إسرائيل بسد فمه بالقوة. مع كل الاحترام للمصلحة الأميركية، من المسموح لنا أيضاً ان نحتفظ بمصلحة أو اثنتين لأنفسنا». وامونا كأصوات تحريضية متعالية هذه الأيام تجد نفسها على استعداد لتحدي الولاياتالمتحدة وتقول: «الولاياتالمتحدة تحتاجنا بدرجة لا تقل عن احتياجنا إليها بل وأكثر من ذلك في بعض النواحي. هي كانت وما زالت صديقتنا الأفضل ليس بفضل عيوننا الجميلة، ولا بفضل قوة يهود أميركا السياسية وانما بالأساس بفضل قيمتنا الاستراتيجية وبفضل حاجة الولاياتالمتحدة القاطعة لحليف راسخ وديموقراطي في خضم الفوضى الشرق أوسطية». وتضيف: «ان اضطرت إسرائيل على رغم ذلك للقيام بضرب المفاعل الإيراني بقدراتها الذاتية، فهذا انما يحدث لأن هناك فرقاً في هذه القضية بين المصلحة الأميركية والمصلحة الإسرائيلية. أميركا لا تستطيع السماح لنفسها بأن يتم القضاء على إسرائيل، ولكن إسرائيل لا تستطيع أن تسمح لنفسها بأن تكون واقعة تحت تهديد الإبادة». وتصل امونا الى حد القول: «طالما كان الأمر مجرد تهديد فان أميركا لا تشعر بالقلق. ليس من اللطيف قول ذلك، ولكن ربما هي راضية أيضاً من عدم الهدوء الذي يتسبب فيه التهديد الإيراني على الوجود الإسرائيلي الذي يجر أحياناً لما يبدو في نظر الأميركيين ربما ثقة ذاتية مفرطة. إدارة أوباما أيضاً مثل سابقاتها معنية بإسرائيل الآمنة، ولكن ليس الواثقة من نفسها بدرجة مفرطة. انهم يحتاجون إسرائيل المحمية، ولكن المعتمدة على قوة الدولة العظمى أيضاً». وتضيف: «في أكثر من مرة بدا ان الولاياتالمتحدة تشجع وترعى أوضاع التوتر الأمني في الشرق الأوسط حتى تعزز الاعتماد الإسرائيلي عليها. عندما تؤدي السياسة الأميركية الى إضعافنا في مواجهة العدوانية الفلسطينية، هذا يذكرني أحياناً بخدعة المغازلة المعروفة التي يقوم فيها عاشق لجارته بالسماح لأزعر الحارة بأن يتحرش بها، وعندما تستغيث طالبة المساعدة يسارع عاشقها من مخبئه ويخلصها من يدي الأزعر».