ترجمة - محمد عبد الله يونس أدى طموح إيران النووي، والذي لم يكتمل بعد، إلى إحداث مجموعة من التغييرات في صلب العقيدة العسكرية الإسرائيلية، حيث يرى الإسرائيليون أن مجرد نجاح إيران في تخضيب اليورانيوم يشكل تهديدا وجوديا لهم . وبعد أن اختزل العديد من المحللين سياسة إسرائيل الخارجية في مصطلحات مرتبطة بمفهوم الأمن القومي مثل : توازن القوى والردع الإقليمي ومركزية القوة العسكرية، واستخدموا هذه المفاهيم لشن حروب وهجمات استباقية مثلما حدث في حرب 1967 وضرب المفاعل النووي العراقي عام 1981، إذ بالإسرائيليين يتحدثون اليوم عن القدرات الدفاعية وخلق ردع مواز لإيران إذا ما أصبحت دولة نووية . وفقا لذلك أضحت بعض النظريات الإسرائيلية السابقة قاصرة عن العمل لمواجهة إيران، مثل نظرية اقتصار السياسة الخارجية على الأبعاد الأمنية والدفاعية لوزير الدفاع السابق موشيه دايان، أو نظرية مركزية المنظور الأمني في صنع القرار الخارجي للخبير " مارك هيلر " المتخصص في شؤون الأمن القومي الإسرائيلي، وصاحب كتاب " الاستمرارية والتغير في السياسة الأمنية الإسرائيلية " . فهذه النظريات قد ارتكزت على تعمد إخفاء قدرات إسرائيل النووية والصاروخية أخذا بمبدأ الردع بالشك، وهو ما لم يعد مجديا لمواجهة إيران " النووية الصاروخية " الذي يتطلب ردعها الانتقال إلى الأخذ بمبدأ الردع باليقين . بين الهجوم والدفاع ولم يكن الدفاع الصاروخي أحد ثوابت السياسةالدفاعية الإسرائيلية التي تبنت منظورا هجوميا واقعيا منذ إعلان قيام إسرائيل، حيث كان التركيز ينصب علي عدة مفاهيم محورية مثل الحروب الاستباقية والردع التراكمي، من خلال إلحاق هزائم متتالية بالأعداء الإقليميين بما يجعل المواجهة العسكرية غير واردة في خيارات الآخرين تجاه إسرائيل .وبالتالي لم يتبنى الساسة الإسرائيليون منذ بن جوروين وصولا إلى شيمون بيريز ومرورا بدايان، سوى مفاهيم ذات طابع هجومي خالص . بيد أن إسرائيل قد بدأت في عام 1980 التحول تجاه تطوير نظام للدفاع الصاروخي من خلال تصميم وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك إسحاق رابين على الانخراط في مبادرة الدفاع الصاروخي الأمريكية ( حرب النجوم ) والبدء في مشروع لإنتاج منظومة دفاع صاروخي إسرائيلية تحت مسمي " آرو " أو " السهم " . وقد ترافق ذلك مع طرح شيمون بيريز رؤيته حول ثانوية الجغرافيا في تحقيق الأمن إذا ما تم تطوير تكنولوجيا عسكرية متقدمة للتصدي للمخاطر الإقليمية، وهو ما ظهر جليا حينما وجه العراق خلال حرب الخليج الثانية حوالي 39 صاروخا باليستياً اخترقت المجال الجوي الإسرائيلي، لتسقط بذلك بعض الثوابت الجغرافية المتعلقة بمقولة " الحدود القابلة للدفاع عنها " . وقد تعرض هذا التوجه لعدة انتقادات من جانب المتخصصين في شؤون الأمن القومي مثل مارك هيلر وروفن بداتزور الذي أعد دراسة أصدرها مركز جافي للدراسات الإستراتيجية في عام 1993 حول عدم فاعلية الدفاع الصاروخي انطلاقا من تكلفته المادية الضخمة وعدم إمكانية الانتهاء من تطويره قبل عام 2010، إضافة إلى عدم التأكد من قدرته على اعتراض الصواريخ الهجومية بالنظر إلى التداعيات الكارثية التي تنجم عن اختراق صاروخ نووي واحد للمجال الحيوي الإسرائيلي . ودعا " بداتزور " في المقابل إلى الارتقاء بالقدرة على الرد الانتقامي Retaliation في حالة أي هجوم نووي من دولة معادية بما يترتب عليه خسائر مادية وبشرية لا يمكن للأخيرة تحملها بأية حال . ورغم هذه الانتقادات، واصلت إسرائيل تطوير نظامها الدفاعي آرو، والذي حقق في عام 2000 نجاحا ملحوظا في اعتراض الصواريخ الباليستية في المناورات التجريبية، بلغت نسبته حوالي .٪88 ولذلك قامت إسرائيل بنشر ثلاث بطاريات اعتراضية من طراز آرو تحمل ما يقدر بحوالي 144 صاروخاً بالتوازي مع صواريخ باتريوت باك - 2 الأمريكية متوسطة المدى . الجغرافيا والدفاع الصاروخي وبسبب الخطر الإيراني، أثيرت عدة تساؤلات في إسرائيل حول أسباب التركيز على منظومة الدفاع الصاروخي في مواجهة هجوم نووي إيراني دون غيره من إجراءات الدفاع الإستراتيجي مثل الانتشار الجغرافي للقواعد الجوية ( أي نشرها في أماكن متفرقة من إسرائيل، ما يصعب من عملية استهدافها ) ، وتنويع آليات الهجوم النووي المضاد . وتكمن الإجابة في عدة اعتبارات رئيسية، يتمثل أولها في افتقاد إسرائيل للعمق الإستراتيجي على المستويين الجغرافي والديمغرافي بما لا يمكنها من تحقيق انتشار جغرافي لقواعدها العسكرية، بالإضافة إلى ضعف قدرتها الاقتصادية على تحمل إنفاق عسكري ضخم لتنويع آليات ووسائل الهجوم النووي المضاد . أما الاعتبار الثاني فيتعلق بالتغطية الإعلامية التي تحظى بها المناورات التجريبية للدفاع الصاروخي، حيث تسهم بذاتها في تحقيق الردع الدفاعي، انطلاقا من كون الردع " أمرا إدراكيا " بالأساس . ومن أبرز الأمثلة على ذلك تغطية صحيفة الأهرام المصرية لتجربة قامت بها إسرائيل في عام 2004، تمكنت فيها صواريخ آرو من اعتراض وتدمير صاروخ " سكود بي " ، حيث وصفت الصحيفة ذلك بأنه يمثل تغيرا في توازنات القوى في الشرق الأوسط لصالح إسرائيل . ويكمن الاعتبار الثالث في الإفادة من منظومة الدفاع الصاروخي الموجودة فعليا لدى إسرائيل، والقابلة للتطوير بحيث يصبح من الحكمة التركيز عليها على صعيد الإنفاق الدفاعي، دون تشتيت الجهود وتوزيعها بشكل غير كفء، نتيجة للاهتمام بأكثر من آلية في ذات الوقت، فضلا عن استغلال الشراكة الإستراتيجية بين إسرائيل والولايات المتحدة في الحصول على الدعم المالي والتقني لتطوير برنامج آرو الدفاعي . شروط تحقق الردع الدفاعي يتحقق الردع الدفاعي من خلال قيام نظام الدفاع الصاروخي الإسرائيلي باعتراض الصورايخ النووية الإيرانية قبل إصابة الأهداف، التي قد تتمثل في المنشآت العسكرية اللازمة لتوجيه هجوم إسرائيلي انتقامي .لكن تحقق هذه المعادلة يتطلب توافر عدة شروط محورية تتعلق بعملية صنع القرار في طهران من ناحية، وقدرة نظام الدفاع الصاروخي الإسرائيلي على أداء الدور المنوط به بفاعلية من ناحية أخرى . وتعد الرشادة في عملية صنع القرار هي المطلب الأول لتحقق الردع الدفاعي، لأن الردع يقوم على افتراض عقلانية الخصم وقدرته على إجراء تحليل رشيد للمكاسب والخسائر، ومن ثم فإن وجود نظام سياسي غير رشيد قد يقوض معادلة الردع باتخاذه إجراءات تصعيدية بغض النظر عن نتائجها . وبغض النظر عن كل الاتهامات التي توجه إلى النظام الإيراني بوصفه نظاما يفتقد إلى العقلانية في اتخاذ القرار، فإن الإدارة الإيرانية لأزمة الملف النووي الإيراني تدل على وجود قدر كبير من الرشادة والبرجماتية السياسية تتحلى بها طهران في التعامل مع الأطراف الدولية . ويتمثل الشرط الثاني لنجاح الردع الدفاعي في إدراك إيران بأن الرد الإسرائيلي على أي ضربة سيكون حتمياً، ولا يمكن احتماله في نفس الوقت، وهو أمر يبدو نسبيا، فمهما بلغت قوة الرد الإسرائيلي وقدرته التدميرية، فقد يعتبره المسئولون في طهران أمراً يمكن احتماله . والدليل على ذلك تصريح هاشمي رفسنجاني، أحد أبرز قادة الثورة الإسلامية ذوي النفوذ في إيران، في ديسمبر 2001، بأن طهران تمتلك ميزة إضافية مقارنة بإسرائيل، التي تفتقد - من وجهة نظره - القدرة على احتواء تداعيات استهدافها بصاروخ نووي تكتيكي واحد، في حين يمكن للعالم الإسلامي امتصاص آثار عدة ضربات نووية متتالية لتفوقه جغرافيا وديمغرافيا على إسرائيل . وإذا كانت تصريحات رفسنجاني تعبر عن رأيه الشخصي ولم يتم تأكيدها رسميا من قبل أي مسئول إيراني، فإن الردع الإسرائيلي لابد وأن يستند في كل الأحوال إلى ضمانات نووية من أوروبا والولايات المتحدة . ويتعلق الشرط الثالث بوجود قنوات مباشرة للاتصال وإدارة الأزمات بين القيادات السياسية والعسكرية في إسرائيل وإيران على غرار ما كان سائدا أثناء الحرب الباردة بين أمريكا والاتحاد السوفيتي لتجنب الإدراك الخاطئ للتطورات الإقليمية بما يدفع الدولتين لمواجهة نووية غير مرغوبة . فحالة الاستقرار التي سادت في فترة الحرب الباردة لم تعتمد فقط على الرعب المتبادل بين القطبين الدوليين بوصفه حائلا دون التورط في حرب نووية، بل ساهم فيها أيضا وجود شبكة واسعة من قنوات الاتصال بين الطرفين، وهو ما لا يتحقق في حالة إيران وإسرائيل، فلا يوجد قنوات اتصال مباشرة وسريعة وموثوق بها بسبب العداء العلني بين الدولتين، كما أن قنوات الاتصال غير المباشرة، عبر طرف ثالث أو عبر الأممالمتحدة على سبيل المثال، قد تتسم بالبطء الشديد وبالتالي عدم الفاعلية في أوقات الأزمات . ونتيجة لغياب مثل هذه القنوات، فإن الردع المتبادل بين الجانبين سيعتمد بشكل كبير على ميكانزمات داخلية بالأساس، وبصورة خاصة على إدراك إيران لإسرائيل ومدى قدرتها على الرد في حالة تلقيها الضربة الأولى . وبالتالي فإن على إسرائيل أن تتأكد من أن القيادة الإيرانية مقتنعة، وبلا أدنى شك، بحتمية الرد الإسرائيلي، وبحجم الدمار غير المحتمل الذي قد يحدثه، حتى يتحقق الردع المتبادل بين الطرفين . فاعلية الدفاع الإسرائيلي وعلى صعيد الفاعلية العسكرية لنظام الدفاع الصاروخي الإسرائيلي، يمكن تصور نموذج إحصائي لمحاكاة أثر هجوم إيراني بصواريخ شهاب 3 ذات رؤوس نووية على القواعد الجوية الإسرائيلية، وخاصة التي تضم قاذفات إستراتيجية، حيث تمتلك إسرائيل حوالي 12 قاعدة جوية منها ستة على الأقل تضم أهم القاذفات الإستراتيجية بعيدة المدى . ويمكن افتراض أن إيران سوف تستهدف القواعد الجوية الست سالفة الذكر في ضربتها الصاروخية الأولي للقضاء على قدرة إسرائيل على توجيه هجوم مضاد .فإذا ما قامت إيران بتوجيه هجوم صاروخي باستخدام ست صواريخ من طراز شهاب 3 سوف يؤدي إلى تدمير 3 قواعد جوية مع بقاء القواعد الثلاث الأخرى قادرة على توجيه الهجوم المضاد باحتمال تصل نسبته إلى حوالي 90 ٪،وذلك في حال تصدي إسرائيل للصواريخ الهجومية بست صواريخ اعتراض فقط، اي بمعدل صاروخ دفاعي واحد لكل صاروخ هجومي للإبقاء على مخزون صاروخي كاف للتصدي للموجة الهجومية الثانية من صواريخ شهاب .3 ولكن في حالة قيام طهران بمضاعفة عدد الصواريخ المهاجمة لتصل إلى حوالي 12 أو 18 أو 24 أو 36 صاروخا مع استمرار إسرائيل في التصدي لتلك الصواريخ بنفس المعدل السابق، فإن احتمال تصل نسبته إلى حوالي ٪90 أن خمسة قواعد جوية إسرائيلية سوف تتعرض للتدمير التام إلا إذا زادت إسرائيل من معدل الاعتراض الصاروخي ليصل إلى صاروخين اعتراضيين في مواجهة كل صاروخ هجومي، بما سوف يؤدي لبقاء حوالي 3 قواعد جوية قادرة على توجيه الهجوم المضاد . ومن جهة أخرى، فإن توجيه هجوم صاروخي إيراني باستخدام حوالي 36 صاروخا نوويا دفعة واحدة يعد مهمة عسكرية غير هينة قد لا تتمكن بعض الدول المتقدمة من الاضطلاع بها، فضلا عن امتداد آثارها التدميرية إلى الدول المجاورة لإسرائيل مثل مصر والأردن والعراق وسوريا، وقد تمتد آثارها الإشعاعية في ظل ظروف جوية معينة إلى إيران ذاتها . ووفق هذه المعادلة البسيطة للجانب العسكري للردع الدفاعي، فإن إيران قد لا توجه هجوما نوويا يستهدف إسرائيل انطلاقا من ارتفاع تكلفة الهجوم النووي سياسياً وعسكرياً بالنسبة للطرفين بما لا يمكن تحمله، وحرص الأطراف الإقليمية المعنية التي قد تتعرض لتداعيات الحرب النووية على الحيلولة دون وصول التصعيد بين الطرفين إلى مرحلة المواجهة النووية .