من الطبيعي أنك تستطيع الوصول بشكواك إلى قسم الشرطة التابع له محل أقامتك إذا كانت الشكوى عن شأن جنائي يتعلق باختصاصها في حفظ الأمن والنظام وملاحقة القضايا الجنائية. لكنك في غير هذا الشأن الجنائي سوف تقف حائرا بدون شك أمام معرفة الجهة المعنية بشكواك، وربما يعلو صوتك بالسؤال: أروح لمين؟ الإمارة، الشرطة، المحكمة، هيئة التحقيق والادعاء العام، ديوان المظالم، الهيئة العامة لمكافحة الفساد، حقوق الإنسان، من هي الجهة المعنية إذا كانت الشكوى عن خدمة عامة؟ كل هذه الجهات متقاطعة الاختصاصات، وليس معلوما لدى الناس نطاق اختصاص كل منها ولا حدود مسؤوليته. أفليس الأجدر أن تقوم إدارة واحدة في كل منطقة يمكن أن تتبع للإمارة والحاكم الإداري وتكون مسؤولة عن استقبال كل الشكاوى الحقوقية والمدنية والخدمية (وكل ماهو غير جنائي)، وتفوض سلطات تكفل لها البحث والتدقيق والتحقيق مع الجهات المختلفة للوصول إلى جذور الحقيقة في الشكوى وحلها طبقا للنظام. وعلى هذه الإدارة أن تفرز الشكوى وتطلب من صاحبها استيفاء المسوغات النظامية والمفيدة في البحث، وذلك قبل قبول الشكوى والتعامل معها؛ حتى لا يتكرر طلب المستندات من الشاكي أثناء بحث شكواه، ومن ثم تحال إلى جهات الاختصاص، إذ يلاحظ بقاء بعض الشكاوى لدى بعض الإدارات أكثر من عام تم ترفض لعدم الاختصاص، وغني عن البيان أن هذه الإدارة لا بد أن تدعم بالكفاءات البشرية المؤهلة والقادرة على إدارتها وبشبكة تواصل إلكتروني مع كافة الجهات، يتم من خلالها بحث الشكوى لاختزال الوقت الذي أصبح حقا كالسيف إن لم تقطعه قطعك، بل إن الوقت أصبح هو السلعة الأغلى في حركة الحضارة الإنسانية، كما تدعم هذه الإدارة بالصلاحيات الكفيلة بأدائها لمهامها، وحتى نخفف الزحام واندساس الباطل بين الحق، فلا بأس أن نطور نموذجا للشكاوى يوضح فيه معلومات الشكوى والشاكي والمستندات المطلوبة للشكوى ومذيلا بإقرار يتعهد الشاكي فيه بأن كل ما جاء في شكواه صحيح، وفي حال ثبوت العكس يكون الشاكي معرضا لعقوبة الحبس والتشهير فقط؛ حتى لا تتعرض كرامة الناس للإهانة تلبية لرغبة بعض الحاقدين الذين أمنوا العقاب بتقديمهم لشكاوى كيدية، ناهيك عن أن هذا الإجراء سوف يخفف العبء عن الأجهزة الحكومية، وخصوصا القضائية والأمنية منها. وأعتقد أن هذا المقترح سوف يثمر المزيد من رضا المواطن باختزال الوقت والجهد في حل مشاكله، ولا سيما أن صلاحيات هذه الإدارة سوف ترفع درجة الاهتمام لدى المسؤولين كافة، ولا أعدو الحقيقة حين أقول بأن هذه الإدارة إنما تمثل حلقة هامة في مشروع التطوير الإداري ضمن التطوير العام الذي يتبناه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز يحفظه الله بما تحققه الإدارة من طفرة إيجابية تعزز شعور المواطنة وترفع درجة الأداء، كما أعتقد أنه لم يعد مقبولا في هذه الدولة التي تقف على قدم المساواة مع أكبر دول العالم العشرين أن تظل بعض التقاطعات والتداخلات في مفاصلها الإدارية حاجزا في سبيل تطورها، وأن يعاني المواطن الشتات في ملاحقة حقوقه المشروعة وحل مشاكله وبحث شكواه، لا بد أن يواكب النظام الإداري في هذه الدولة العظيمة بقائدها وشعبها تلك المنزلة العالمية الرفيعة والمستحقة لها عن جدارة وأن يخرج من دائرة انفصام الشخصية. وإذا تعذر في الوقت الراهن إنشاء مثل هذه الإدارة، فأقترح أن تقوم كل جهة باستحداث قسم مصغر، حتى وإن كان عدد منسوبيه شخصين يؤديان نفس عمل الإدارة المقترحة، ويتحملان مسؤولية استكمال عرض أي معاملة غير مكتملة العناصر النظامية والمستندات وجهة الاختصاص. آخر الكلام: أقصر الطرق بين نقطتين هو الخط المستقيم.