الدراسات التي نشرت، مؤخرا، من عدة جهات علمية أوضحت نقطة مهمة من قصة فيروس كورونا الشرق الأوسط (MERS-CoV)، وهي ارتفاع نسبة التعرض للعدوى بهذا الفيروس بين الإبل. غالبية الإبل على ما يبدو تصاب بالعدوى من دون ظهور أعراض عليها أو ربما مع ظهور أعراض محدودة تشفى منها غالبا مع تكوين أجسام مناعية مضادة تحميها من المرض ومن تكرار الإصابة. وجود هذه الأجسام المناعية على نطاق واسع بين الإبل، بل حتى في دم الإبل المحفوظ منذ عشرين عاما هو الذي كشف عن مدى انتشار هذه العدوى بين الإبل بعكس الأبقار والأغنام والماعز التي لم يتم العثور على أجسام مناعية مشابهة فيها. في الوقت نفسه، تم عزل فيروس كورونا الشرق الأوسط المطابق لفيروس كورونا البشري من عدد من الجِمال التي أصيب أصحابها بالمرض، ما يؤكد إمكانية انتقال العدوى الفيروسية من الإبل للإنسان. هذه النتائج تساعد كثيرا على فهم لغز عدوى فيروس كورونا الشرق الأوسط التي انتشرت، مؤخرا، في بلادنا وفي بعض البلدان العربية المجاورة. الآن يمكننا رسم صورة أكثر وضوحا لنشأة العدوى وانتقالها. ما زال الاعتقاد راسخا بأن المستودع الأساسي لفيروس كورونا الشرق الأوسط في الطبيعة هو الخفاش. لا يبدو أن العدوى تنتقل مباشرة من الخفاش إلى الإنسان، بل عبر حيوانات وسيطة، حيث اتضح الآن إصابة الإبل من دون الحيوانات الأخرى التي تم فحصها. ومن الإبل تنتقل العدوى إلى الإنسان. بعد ذلك، وفي أكثر الحالات التي نراها حاليا، تصبح الطريقة الأكثر شيوعا للانتقال هي من الإنسان المصاب إلى أشخاص ملتصقين به كأفراد عائلته أو الممارسين الصحيين المشرفين عليه في المستشفى. النتائج المشار إليها فسرت لغز تركيز الحالات في الشرق الأوسط حيث موطن الإبل وحيدة السنام، ما يرجح أن بداية الخيط تكون في انتقال العدوى من هذه الحيوانات للإنسان، إلا إذا تم اكتشاف طرق أخرى غير متوقعة. ماذا يعني كل هذا بالنسبة لمكافحة الوباء ووقف انتشاره؟ يعني أنه يجب اتخاذ إجراءات الوقاية والعزل المناسبة لمنع انتقال الفيروس من الإبل المصابة إلى الأشخاص المخالطين لها، وكذلك لمنع انتقاله من الإنسان للإنسان. تشمل الإجراءات الضرورية تعقيم حليب الإبل وأي منتجات أخرى منها، وإبعاد حظائر الإبل عن التجمعات السكنية، والحجر الصحي على الحيوانات المصابة ومنع انتقالها. قد تكون هذه الإجراءات كافية، ولكن ربما يتطلب الأمر إنتاج لقاح لحماية الإبل من العدوى بهذا الفيروس. انتقال العدوى من الإبل إلى الإنسان ليس مستغربا، وعلينا أن نتذكر أن هناك مئات الأوبئة التي تنتقل من الحيوانات إلى الإنسان، إما بالاحتكاك المباشر مع هذه الحيوانات، أو استهلاك منتجاتها، أو عبر الحشرات الناقلة. أذكر على سبيل المثال الحمى المالطية وأنفلونزا الطيور وداء الكلب والتوكسوبلازموزيس وجنون البقر وحمى الوادي المتصدع. نجح الإنسان في مكافحة كل هذه الأوبئة بمعرفة الميكروب المسبب لها واتخاذ الأساليب المناسبة لمنع انتقاله؛ مثل بسترة الحليب لقتل بكتيريا الحمى المالطية وبكتيريا السل في الحليب، أو بمكافحة الحشرات الناقلة، أو بتطعيم الحيوانات باللقاح المناسب كما في حمى الوادي المتصدع، أو بالتخلص من الحيوانات المصابة مثل ما حدث مع جنون البقر وأنفلونزا الطيور أو بتطعيم الإنسان كما في حالة أنفلونزا الخنازير. في حالة كورونا الشرق الأوسط، من حسن الحظ أنه يمكننا الاستفادة كثيرا من درس وباء «السارس» الذي سببه فيروس مشابه من نفس عائلة الكورونا، وقد أثار ذعرا كبيرا في كافة دول العالم في عام 2003م، وأصاب أكثر من 8000 شخص مات منهم ما يقرب من 800 شخص، ولكن تم احتواؤه بنجاح في حوالي عام واحد. كل ما تطلبه احتواء «السارس» هو التوقف عن أكل الحيوانات الوسيطة الناقلة للمرض وإغلاق الأسواق التي كان يتم تداول هذه الحيوانات فيها مع تطبيق إجراءات العزل والوقاية مع المرضى. لم يتطلب الأمر إيجاد لقاح أو علاج خاص بفيروس السارس. أغلب الأشخاص الناقلين للسارس كانت تظهر عليهم أعراض التهاب تنفسي حاد، ما سهل اكتشافهم وتطبيق إجراءات العزل المناسبة عليهم، وهو ما تدل المؤشرات أن يكون عليه الوضع مع فيروس كورونا الشرق الأوسط، أما الذين تكون إصابتهم خفيفة، فغالبا لا يلعبون دورا في نقل المرض. كذلك فإن خواص فيروس السارس وشبيهه فيروس كورونا الشرق الأوسط تشير إلى أن الفيروسين بطيئا الانتقال من شخص إلى آخر. وكما نجحت إجراءات مكافحة السارس نأمل بمشيئة الله أن تنجح الإجراءات الاحترازية المشابهة في احتواء وباء كورونا الشرق الأوسط، ومن أهم هذه الإجراءات تطبيق الطرق الفاعلة لمكافحة العدوى في المستشفيات. ختاما، فإن الفهم العلمي الدقيق لكافة طرق انتقال العدوى والتطبيق السليم لأساليب مكافحتها، وليس الذعر الجماعي، هما ما نحتاجه للتعامل مع هذه الجائحة التي باغتنا وأوقعت ضحايا أعزاء من بيننا. ولذا فإن تحديد دور الإبل في نقل العدوى يشكل خطوة مهمة على طريق التخلص من هذا الوباء، وسيساهم بالتالي في الحفاظ على ارتباطنا المعيشي والتاريخي الوثيق مع هذه الحيوانات.