بهدوء وسلام، مر موسم الحج هذا العام، من دون تسجيل انتشار واسع لفيروس «ميرس» MERS، اختصاراً لعبارة Middle East Respiratory Syndrome التي تعني «متلازمة الشرق الأوسط في الجهاز التنفسي». لا يعني هذا الأمر إلا نجاحاً لجهود الوقاية من فيروس «ميرس» ومحاصرته، ما جنب زوار بيت الله الحرام الوقوع في عدواه الفتاكة. وكذلك أكد هذا الأمر أن فيروس «ميرس» ينتشر بطريقة مُعقدة تبطئ انتشاره، على رغم ثبوت قدرته على الانتقال بين البشر، وهو الذي ربما أتى أصلاً من الإبل. وقال أستاذ الأمراض المعدية عليم الدين زملا من جامعة «كولدج لندن» الذي شارك في دراسة صدرت أخيراً في لندن، إن السَعودية استقبلت ما يزيد على 8 ملايين حاج ومعتمر منذ اكتشاف فيروس «ميرس» قبل سنة، من دون تسجيل إصابات بهذا الفيروس الذي ينتمي إلى عائلة فيروس «كورونا» Corona Virus، ما يعطيه أحياناً اسم فيروس «ميرس التاجي». (أنظر «الحياة» في 19 آيار/ مايو 2013). وجاء في هذه الدراسة، أن التحليل الوراثي لعينات من فيروس «ميرس» القاتل الذي قضى على 58 شخصاً في الشرق الأوسط وأوروبا، يبين أن هذا الفيروس انتقل مرات عدة من الحيوانات إلى البشر. وكذلك أشارت «مُنظمَة الصحة العالمية» إلى أن 132 شخصاً أُصيبوا ب «متلازمة الشرق الأوسط في الجهاز التنفسي» (فيروس «ميرس») منذ ظهوره قبل عام تقريباً، لافتةً إلى أنه أودى بحياة 58 منهم. وعلى رغم تسجيل إصابات بشرية في الشرق الأوسط وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وتونس وبريطانيا، تركزت غالبية حالات العدوى والوفيات في المملكة العربية السَعودية. من البشر الى الحيوان وبالعكس شملت الدراسة المُشار إليها آنفاً بحوثاً متوسعة حول تركيب جينوم فيروس «ميرس» الذي ينتمي إلى عائلة «كورونا» (ترجمتها حرفياً «تاجي») التي يندرج في صفوفها فيروس «سارس» SARS الذي تسبب بجائحة عالمية قبل عشر سنوات. وكشف باحثون بريطانيون وسعوديون عن عدد من السلالات التي ربما ساهمت في انتقال «ميرس» تاريخياً، مع تحديد ما وُصِف بأنه «اتصال حي مُسببٌ» للمرض بين الأجناس. وفي هذا السياق، صرح بول كيلام، أستاذ أمراض الفيروسات في معهد «سانغر» والمشرف على الدراسة، بأن الدراسة أثبتت وجود سلالات مختلفة من فيروس «ميرس» نشأت بأثر من تنقله مراراً بين البشر والحيوانات. وعمل فريقه على تحليل جينوم فيروس «ميرس» التاجي، في عينات أُخِذَت من 21 مريضاً في السَعودية. وبذا، توصل الفريق إلى صورة أكثر دقة لطُرُق انتشار الفيروس، وكذلك الحال بالنسبة الى أنساق التبدل في تركيبته الوراثية مع مرور الزمن. وفي المقابل، تعجز هذه النتائج التي نُشرت في صحيفة «ذي لانسيت» الطبية، عن مساعدة العلماء على توقع مدى تفشي فيروس «ميرس» بين البشر، وكذلك الحال بالنسبة الى آلية تحوله جائحة وبائية، إلا أنها ربما ساعدت علماء الفيروسات في تطوير تدابير أكثر فعالية لاحتواء العدوى والحد من انتشارها. وعلى غرار «متلازمة الالتهاب التنفسي الحاد» (سارس) الذي انتشر بين عامي 2002 و2003، يتسبب فيروس «ميرس» بسعال وارتفاع شديد في حرارة الجسم وأعراض تتصل بالتهاب حادٍ في الرئتين. إلى ذلك، لم يُعثَر على أدلة دامغة بخصوص ما يُسمى «المصدر الحيواني» لفيروس «ميرس»، على رغم دراسات حديثة ربطته بالخفافيش والجِمال العَربية. وتجري مجموعات مختلفة من العلماء دراسات على مصادر اخرى محتملة لفيروس «ميرس» تشمل الماعز والأغنام والكلاب والقطط والقوارض وغيرها. وفي هذا السياق، أوضح زياد ميمش، وكيل وزارة الصحة السَعودية وأحد الباحثين في الدراسة البريطانية المُشار إليها، أن تحديد المصدر الحيواني يعتبر عنصراً حاسماً في جهود السيطرة على تفشي وباء «ميرس». وبحسب أنباء تناقلتها وسائل الإعلام أخيراً، أفاد باحثون في الفيروسات ومسؤولون في قطاع الصحة السعودي، بأنهم يفكرون بعمق في ظاهرة بطء انتشار فيروس «ميرس» بين البشر، إضافة إلى أنه لا يُحدِث دوماً مرضاً في الأشخاص الذين يدخل أجسامهم. موجات متعاقبة وصمود ظاهر لفتت الدراسة عينها إلى أنه على رغم ضآلة إمكان تفشي فيروس «ميرس» عالمياً في الوقت الحاضر، فإن ما جرى التوصل إليه في بالنسبة الى التركيب الجيني لسلالاته يفرض توخي الحيطة والحذر بشأن تحوله وباءً شائعاً. الأرجح أنه من المهم التركيز على أن السنوات الأولى من الألفية الثالثة شهدت موجات فيروسية مُتعاقبة، على عكس الأحلام الوردية الزائفة التي بشر بها بعض متطرفي العولمة. وشملت هذه الموجات فيروسات ك «سارس» و «وباء الطيور» و «أنفلونزا الخنازير». وفي كل مرة، تبين أن الرعب كان أكبر من الوقائع، إلى حد أن الاحتجاج العام كان واضحاً حيال القلق الذي انتاب المؤسسات الصحية الدولية حيال «أنفلونزا الخنازير» بعدما أوضحت الوقائع أن الموجة توقفت بسرعة، بفضل إجراءات وقائية محورها النظافة العامة والقوة الكامنة في جهاز المناعة البشرية. وحينها، علق اختصاصيي اللقاح البروفسور جاك - فرانسوا مارتان على الأمر بأن هذا الخطأ ربما كان غير قابلٍ للتجنب. (أنظر «الحياة» في 27 نيسان- إبريل 2010). يبدو أن المجتمع البشري العام بات أشد صلابة من أن يؤخذ بفيروس، على غرار هزيمته أمام أنفلونزا «أتش1 آن1» التي حصدت خمسين مليوناً عندما ضربت بالترافق مع الحرب العالمية الأولى. لم تكن آثار «سارس» و «الطيور» و «الخنازير» إلا محدودة تماماً، بل تكاد ألا تذكر مقارنة بالرقم الذي سُجل قبل ما يزيد على مئة عام. وبات معروفاً أن الموجة التي تواجهها السَعودية ودول الخليج حاضراً، تأتي من فيروس يتحدر من سلالة الأنفلونزا. وفي بداية وباء «ميرس»، أطلقت عليه «مُنظمَة الصحة العالمية» تسمية فيروس «إنكوف» nCoV وهي الحروف الأولى لعبارة novel Corona Virus التي تعني «فيروس كورونا الجديد»، مع ملاحظة أن كلمة «كورونا» تعني «التاج»، ما يفسر التسميات المتنوعة لهذا الفيروس. ويجري تشبيه الفيروس ب «سارس» SARS، لأن كلاهما يتحدر من عائلة الأنفلونزا. وامتلك «سارس» القدرة على إحداث التهاب حاد في الجهاز التنفسي Severe Respiratory Syndrome، واكتسب اسم «ميرس» من الحروف الأولى لهذا الأمر، إضافة الى الحروف التي تدل على منطقة الشرق الأوسط. وابتدأ رصد فيروس «إنكوف» في خريف العام 2012، عندما نُقِل إلى بريطانيا رجل قطري عمره 49 عاماً، أُصيب بالتهاب رئوي حاد تلاه فشل في عمل الكلي، لم تستطع مستشفيات قطر علاجه. ولأن القطري كان عائداً من السَعودية، تنبهت سلطات الصحة العالمية الى علاقة إصابته مع إصابة فيروسية لرجل سعودي في الستين، عولِج في مستشفى تابع لجامعة «إيراسيموس» في هولندا. وبالمقارنة، تبين أن الشبه بين الفيروسين يفوق ال99.5 في المئة، ما يعني انتماءهما إلى العائلة عينها (أنظر «الحياة» في 23 أيلول/سبتمبر2012). ونُشِر تنبيه عالمي بصدد هذا الفيروس. وتصاعدت بتؤدة حالات الإصابة به في السَعودية وقطر والإمارات والأردن، إضافة إلى إصابات متصلة بالشرق الأوسط في فرنساوبريطانيا. ولعل التطور الأبرز كان في تسجيل انتقاله من إنسان إلى آخر عبر التنفس، وهو ميزة معروفة في فيروسات الأنفلونزا كافة. الوباء... درجة فدرجة الدرجة الأولى: فيروس ينتقل بين الحيوانات وحدها. الدرجة الثانية: فيروس يصيب الحيوانات، لكنه ينتقل إلى البشر ليسبب إصابات بصورة متصاعدة بينهم. الدرجة الثالثة: فيروس يصيب الحيوانات، وينتقل إلى البشر مسبّباً أعداداً كبيرة من الإصابات تلامس تسجيل مستوى وبائي، لكنه لا يسجل انتقالاً من إنسان إلى إنسان. الدرجة الرابعة: فيروس انتقل من عالم الحيوان، وصار وباء بين البشر، بمعنى قدرته على الانتقال مباشرة من إنسان إلى آخر، مُسبّباً أعداداً متصاعدة من الإصابات في البشر. الدرجة الخامسة: الفيروس الذي انتقل إلى البشر من الحيوانات ثم صار ينتقل بثبات من إنسان إلى آخر في شكل وبائي، يأخذ في عبور الحدود الجغرافية بين الدول، مسجلاً إصابات في أكثر من منطقة جغرافية. الدرجة السادسة: الفيروس الذي انطلق من الحيوانات وصار وباء ينقله البشر إلى بعضهم بعضاً وبائياً، يشرع في الانتشار في أكثر من دولة وفي غير منطقة جغرافية، فيصيب دولتين على الأقل في نصفي الكرة الأرضية (الشمال والجنوب). يصير جائحة. الوقاية وضع مناديل على الفم والأنف عند العطس أو السعال. استعمال مناديل ورق والتخلص منها في سلة النفايات. المواظبة على غسل اليدين بالماء والصابون، خصوصاً بعد العطس والسعال. استعمال المواد المُطهّرة. تجنّب لمس العين والأنف والفم. تجنّب مصافحة الآخرين ومعانقتهم وملامستهم. تجنّب التجمعات مثل محطات المترو والقطارات. تجنّب المستشفيات والمراكز الطبية إلا في الحالات الطارئة. في حال الإصابة، البقاء في المنزل وعدم الذهاب إلى العمل أو المدرسة، والحد من الاقتراب من الآخرين. ذاكرة الأوبئة 1- 1903: اكتشاف سلالة فيروس «أتش2 أن1» H2N1، التي تعتبر نواة عائلة الفيروس التاجي «كورونا» Corona Virus. 2- 1918-1919: أضخم وباء إنفلونزا تاريخياً، سبّبته سلالة «آتش1 آن1» H1N1، مع مصرع قرابة 50 مليون شخص. 3- 1933: عزل أول سلالات «أتش1 أن1». 4- 1957-1958: إنفلونزا «أتش2 أن2» H2N2 تنطلق من جنوبالصين، وتقتل 750 ألف شخص عالمياً. 5- 1968-1969: إنفلونزا فيروس «أتش3 أن2» H3N2، تنطلق من هونغ كونغ (وتحمل اسم هذه المدينة)، لتقتل 700 ألف شخص عالمياً. 6- 1977: فيروس مزيج من سلالتي «أتش1 أن1» و «أتش3 أن2»، انتشر عالمياً وعُرِف باسم «الإنفلونزا الروسية» على رغم انطلاقه من الصين، لكنه لم يكن فيروساً قاتلاً. 7- 1997: مقتل ستة أشخاص بسبب «إنفلونزا الدجاج» Chicken Influenza في هونغ كونغ. انطلقت موجة ذعر عالميّة وصلت إلى الدول العربية، لكن الفيروس لم يصل هذه البلدان. 8- 1999: إصابة أطفال بفيروس «أتش9 أن2». 9- 2004: وباء «إنفلونزا الطيور» Bird Influenza ينطلق من الصين وينتشر عالميّاً، ويقتل 257 شخصاً، وما زال خطره ماثلاً في الأذهان. خشي البعض من امتزاجه بفيروس الإنفلونزا البشري، لكنه أمر لم يحدث، على رغم إمكان حدوثه نظريّاً. توقّع البعض حدوث ملايين الوفيات وما يفوق 15 مليون إصابة، لكن ذلك لم يحدث أيضاً. 10- 2009: بأثر من نوع جديد متطوّر، سجّل فيروس «أتش1 أن1» H1N1 حضوره في مستهل القرن 21، على غرار ما فعله في مطالع القرن الفائت، عندما تسبّب في جائحة إنفلونزا ترافقت مع الحرب العالمية الأولى. مثّل هذا النوع الجديد الذي عُرِف باسم «فيروس الخنازير» مزيجاً من 4 سلالات هي إنفلونزا الطيور وإنفلونزا الخنازير في أميركا الشمالية وإنفلونزا الخنازير في آسيا وأوروبا، والإنفلونزا الموسمية البشرية.