اعتبر المشير عبد الرحمن سوار الذهب الرئيس السوداني الأسبق، ورئيس مجلس أمناء منظمة الدعوة الإسلامية، في حوار ل «عكاظ» بأن السودان ضحية لمؤامرات حاكها الغرب ضده حتى لا يسخر موارده الطبيعية والبشرية الواسعة في التقدم نحو مصاف الدول التي سبقته. وتابع قائلا: «لو أن السودان استثمر جزءا من هذه الثروات الواسعة لأصبح دولة عظمى» ، لامتلاكه الزراعة والمعادن والذهب واليورانيوم والكثير من الثروات الأخرى. وزاد: إن «الامريكان والغرب وضعوا خططا بحيث لا يسمحوا للسودان بالتوسع أبدا في تطوير موارده». وأكد على حرص منظمة التعاون الإسلامي في أخذ دورها القوي الذي تحتاجه الأمة الإسلامية ومتمنيا لأمينها الجديد الاستاذ إياد مدني مواصلة جهود المنظمة لتكون في مستوى تطلعات الشعوب الإسلامية. وإلى نص الحوار: • هناك محاولات خارجية لتقزيم دولة السودان بإبراز مشكلات وقضايا مثل الانفصال في الجنوب وتدويل قضية دارفور وحوض النيل، ماهي مرئياتكم؟ السودان منذ أمد بعيد وتحديدا من قبل الحرب العالمية الثانية وبعدها مستهدف من قبل الغرب، لأن السودان يملك ثروات واسعة جدا في كافة المجالات. وأتذكر في إحدى المرات في فترة الستينيات أن مواطنا أمريكيا من أصل سوري متخصص في الزراعة أرسلته الإدارة الأمريكية في بعثة للسودان لبحث الوضع حول مشروع كبير كان سينفذ حينها وهو مشروع «الاصلاح الزراعي» كفكرة طموحة لتنمية المورد الزراعي، وكان ذلك بناء على تقارير صادرة من السفارة الامريكية في الخرطوم التي انزعجت من المشروع وطلبت من الإدارة الامريكية إرسال خبراء للسودان بغرض ثنيها عنه. وعند عودة الخبير لواشنطن قال للإدارة إن السودان يتمتع بثروات ضخمة في كافة المجالات مثل الطاقة والزراعة. واستطاعت الإدارة الأمريكية بالفعل ثني السودان عن المشروع مقابل توفير القمح لها واستمر هذا الشرط أكثر من ثلاثين عاما. والشاهد في هذا الموضوع أن هذا الخبير عندما جاء إلى السودان وتعرف على إمكاناته الواسعة انزعج كثيرا، «لأن السودان لو استثمر جزءا من هذه الثروات الواسعة لأصبح دولة عظمى» ، لامتلاكه الزراعة والمعادن والذهب واليورانيوم والكثير من الثروات الأخرى. والأمريكان والغرب وضعوا خططا بحيث لا يسمحوا للسودان بالتوسع أبدا في تطوير موارده، وهذا ما ذكره هنري كيسنجر وزير خارجية أمريكا في عهد الرئيس نيكسون في مذكراته التي ذكر فيها: «علينا أن نخلق المشكلات ونتوسع في عدم حلها» ، وهذا ما حدث بالفعل. ومشكلة دارفور هي مثال واضح لهذه الرؤية، فعلى الرغم من أنها قضية بسيطة جدا، لكن الغرب جعل منها مشكلات ضخمة، وفي عهد الرئيس الأمريكي باراك أوباما أحضروا سودانيين لاجئين من الحدود مع تشاد لنقل صورة غير واقعية وحقيقية عن الوضع في دارفور. وعندما كان كلينتون مرشحا للرئاسة، زار القوات الأمريكية في أفغانستان ثم ذهب لتشاد والتقى بلاجئين من السودان، وكانت هناك تمثيلية مدبرة مع بعض اللاجئين حيث طلب منهم أن يقولوا إنهم شردوا وقتلوا وكل ذلك من أجل أن يعطى لكلينتون الرئيس المرشح الانطباع بأن هذه المنطقة فيها مشكلات ونزاعات.
• وأزمة حوض النيل وسد النهضة الاثيوبي، ما هو رأيكم ؟ وهل المخططات الحالية قديمة؟ لست متابعا متابعة لصيقة للقضية ولا أملك كل التفاصيل الدقيقة حول الموضوع. ولكن هناك اتفاقيات قديمة وقعت إبان الاستعمار البريطاني، وتشترك عشر دول في الاستفادة من هذا المورد المائي وفق حصص متنوعة، ولم أعاصر هذه المسألة كإشكالية في الفترة الزمنية القصيرة التي توليت فيها شؤون البلاد، لكن حسب علمي فإن بناء السد سيستغرق سنين طويلة واستفادة اثيوبيا منه ستكون محصورة في الكهرباء. إدانات مختلقة • الرئيس البشير يواجه إدانات دولية حول قضية دارفور ، ما هو موقفكم؟ كل هذه ضغوط سياسية حتى لا يكون هناك استقرار في السودان، لأن الاستقرار يعني التنمية والتنمية تعني التوسع في إمكانيات السودان واستغلال ثرواته الواسعة وبالتالي يصبح دولة عظمى. • ماذا عن الانفصال في الجنوب، ومستقبل العلاقات مع جوبا، هل سيستمر النزاع؟ انفصل الجنوب بتخطيط مكشوف من الغرب والامريكان على وجه الخصوص بعد أن بعثوا مندوبيهم للجنوبيين حتى وقع الانفصال. والغرب يدرك أن السودان لو صار فيه انفصال سوف تحدث مشكلات قبلية وهذا ما حدث، وبالفعل الآن هناك الآلاف قتلوا من قبيلتي الدنكا والنوير، وعلى هذا النحو يبقى الصراع. لهذه الأسباب أنهينا مرحلة النميري • عاصرتم جميع الرؤساء العرب الذين عصف بهم ما يسمى بالربيع العربي، هل كنت تتوقع ذلك؟ وهل كان تركك للرئاسة في الوقت المناسب بناء على قراءة للمستقبل الذي نعيشه الآن؟ الوضع بالنسبة لي كان مختلفا تماما، فقد قدمت للرئاسة في أبريل من عام 1985 دون أن نكون مهيئين للحكم خلفا لعهد الرئيس جعفر النميري، لقد كنت حينها وزيرا للدفاع وقائدا عاما للقوات المسلحة، وكانت الأحوال في عهد الرئيس النميري تسير بشكل طبيعي ثم حدثت مظاهرات وتطورت بسرعة مفاجئة، وكان الرئيس حينها خارج البلاد، وتكاد تكون الأمة السودانية في ذلك اليوم قد توحدت من أجل إنهاء حكم الرئيس. وحتى حزب الاتحاد الاشتراكي المناصر للرئيس فشل حينها في أن يحشد جماهير مؤيدة له عندما حاول الحزب أن ينظم مسيرة تدعم الحكومة ولم يجدوا أي تأييد يذكر. وفي تلك الفترة ومن موقعي كوزير دفاع وضح لي أنه لم تعد لحكومة الرئيس جعفر النميري أي تأييد واسع كما كان الوضع في السابق. وحرصا منا «على عدم دخول السودان في حرب أهلية وبالتشاور مع إخوتي في القيادة العامة، وحفاظا على وحدة السودان، كان يجب أن ننهي هذا الوضع، وندير شؤون البلاد حتى تجرى انتخابات نزيهة» وبعد ذلك تسلم الحكومة لصاحب الأغلبية في الانتخابات.
• كنتم ذراعا أيمن للرئيس النميري، ثم قمتم بالانقلاب عليه، هل شعرت في لحظة من اللحظات بتأنيب الضمير؟ أبدا .. نحن كنا حتى آخر لحظة مع الرئيس وندين له بالطاعة، ولكن عندما اتضح لي أن الشعب السوداني تخلى عن الرئيس، وأن بقاءه في الحكم قد يتسبب في حرب أهلية في السودان لا يحمد عقباها، فما كان مني إلا التصرف بهذه الطريقة لأنه لم يكن من الحكمة الدخول في صراع مع الشعب السوداني.
• يقول البعض إنك دعمت الشعب ورغبته في تطبيق الديمقراطية واختيار قيادته، لكن هذه الرؤية فشلت وعاد العسكر من جديد.. فما هو ردكم؟ هذا فعلا ما حدث، ومن الأسباب أن الوضع الديمقراطي الذي حل بعد انتهاء مرحلة حكم الرئيس النميري الذي لم يحقق تطلعات الشعب الواسعة، كانت هناك أسباب عديدة دعت لإسقاط الحكومة في المرحلة التالية للرئيس النميري. والحقيقة إن فترة حكم الرئيس أحمد الميرغني ورئيس الوزراء السيد صادق المهدي كانت أفضل نوعيا، ولو استمر الوضع قليلا وتمت إعادة الانتخابات بعد انتهاء فترة السيد صادق المهدي لربما كان الوضع أفضل قليلا لأن الوضع الديمقراطي دائما تسمح فيه انتقادات يمكن أن تقوم الأخطاء التي ترتكب.
• في عهد النميري، كانت هناك محاولة للتطبيع مع إسرائيل؟ ونشر على الانترنت صورة مثيرة للجدل له مع شارون أشير إلى أنها خلال عملية «موسى» عام 1984م في الفترة التي أدعي فيها أن السودان سهل هجرة يهود الفلاشا من الحبشة إلى إسرائيل؟ بالفعل هذا حدث ولكن لم يشارك فيه أحد من السودان وربما كانت بضغط من جهات غربية، ويقال إن الرئيس جعفر النميري التقى مع مندوب إسرائيلي لتسهيل خروج يهود الفلاشا عن طريق السودان إلى أوروبا ومنها إلى إسرائيل، ولكن في الحقيقة هذا أمر اقتصر على الرئيس شخصيا، ولم يكن معروفا إلا بعد الفترة الانتقالية. تأخر السودان لماذا ؟ • السودان غني بالموارد، وهو سلة الغذاء العربي، وكان من الممكن أن يتطور أكثر بالرغم من أي مخططات خارجية .. فلماذا لم يتقدم إلى مصاف الدول المتقدمة؟ بكل أسف السودان عندما استخرج البترول بعد فترة الرئيس النميري، بعض الدول شاركت في عدم السماح لشركات البترول أن تواصل عملها فيه، لأنهم يعلمون أن السودان لو استخرج البترول سوف يوظف الأموال في الأدوات الرئيسية لتقدمه، ألا وهي الزراعة في المقام الأول ومن ثم في استخراج بقية المعادن. لذلك فإن هذه الشركات التي كانت تعمل في التنقيب عن النفط، غادرت السودان بسبب بعض المخططات والسيناريوهات، وقد ذكرت حينها شركة شيفرون الأمريكية بأن هناك حالة عدم استقرار أمني، بالإضافة لبعض الضربات التي قامت بها حركات التمرد ورجال العصابات، هذه كانت أحد الأسباب، ولكن أيضا كانت هناك أوامر لها وتحفيز بالمغادرة بتعليمات وضغوطات خارجية على الرغم من العديد من الضمانات التي قدمت. • لماذا هي دائما المؤامرة خلف عدم تطور السودان بالرغم من أن العديد من الدول المجاورة ونماذج عالمية أخرى مثل الصين والهند وسنغافورة تطورت؟ السودان له إمكانيات واسعة وهذا شيء أكيد، والدول المجاورة لا تملك نفس القدر من الموارد البشرية والطبيعية الواسعة من هذه الخيرات كما هو الحاصل لدينا. السودان مؤهل بأن يكون دولة عظمى ذات إمكانيات اقتصادية واسعة، لكن لكي يحرموه من هذه الميزة حركوا عليه الكثير من القضايا المحلية لكي يبدو باستمرار غير موفق في تحقيق الاستقرار الذي يسمح له بالاستفادة من هذه الثروات الطبيعية الواسعة التي حباه الله بها، وهذا ما حصل له. توجهاتي إسلامية • اعتزلتم السياسة في 1986م وتوجتهم للأعمال الخيرية .. ما هو دوركم الحالي مع منظمة الدعوة الاسلامية؟ بعد أن تركت السلطة، دعيت للانضمام للكثير من المنظمات الإسلامية مثل الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية بالكويت ورابطة العالم الإسلامي في المملكة والندوة العالمية للشباب الإسلامي، ومنظمة الدعوة الإسلامية التي هي من أكثر المنظمات التي تعاونت معها وهي منظمة عالمية طوعية أسست في رجب عام 1400ه (1980م) وترأست مجلس أمنائها الذي يتكون من ستين عضوا من دول عربية وإسلامية ولها وجود فاعل في أكثر من 40 دولة افريقية وآسيوية، واتخذت هذه المنظمة أسلوب العمل المتكامل الذي يقوم على تقديم الدعوة الإسلامية مصحوبة بالتنمية والخدمات الاجتماعية والإنسانية لأن التوجه الإسلامي ينسجم مع توجهاتي باعتبار أنني نشأت في أسرة دينية، وجدنا «سوار الدهب» جاء من الجزيرة العربية من مكةالمكرمة من أسر تمتد جذورها إلى العباس بن عبدالمطلب والحمد لله لقد جاء أهلنا إلى السودان منذ 500 عام. وجدي محمد عيسي كرس حياته لنشر القرآن وتعاليمه وبرواية أبي عمر الدوري، ومنذ ذلك التاريخ وأسرتي اشتهرت بنشر القرآن عن طريق المدارس القرآنية التي تديرها، وبالتالي فإن نشر الدعوة الإسلامية هي طبيعتنا وتوجهنا كأسرة. المطلوب من منظمة التعاون • كيف ترى دور منظمة التعاون الإسلامي في ظل الظروف التي تمر بها الأمة؟ المنظمة حريصة جدا على أن تأخذ دورها القوي في العالم الإسلامي لأن هذا الدور هو الذي تحتاجه الأمة الإسلامية وما يحدث في ماينمار وأفريقيا الوسطى على سبيل المثال، يدعونا إلى أن نقف مع هذه المنظمة وندعم جهودها في حماية وإغاثة المسلمين وهذا هم كل مسلم حريص على أمته. والمنظمة تمثل جميع الدول الإسلامية وبها أعضاء من كل دولة، ونسأل الله أن يبارك في جهودها في عهد أمينها الجديد الذي جاء بعد أمينها السابق الأستاذ الدكتور أكمل الدين إحسان أوغلو الذي كان له دور كبير في تطوير المنظمة وتحويلها من منظمة مؤتمر إلى منظمة تعاون، ونحن نتطلع للاستاذ إياد مدني ليواصل تلك الرحلة ويزيد من تطوير وفعاليات المنظمة لتكون في مستوى تطلعات الشعوب الإسلامية..