يستغرب البعض الحديث عن فوائد الشاي على الجمر باعتباره أقرب للطب منه لاقتصاديات المجتمع إلا أنه ثمة فوائد اقتصادية واجتماعية لا يفترض تجاهلها لاسيما ونحن نرى الانتشار الغريب لعربات الشاي على الجمر في كل شارع تقريباً بل وفي مواقع لا تمتلك حتى أدنى مواصفات الموقع التجاري كالحواري والأزقة، وحيث لا يمكن أن تأخذ نصيبك من الشاي على الجمر وتذهب في حال سبيلك دون أن تحيطك الأسئلة والدهشة. فمن فوائد الشاي على الجمر وعرباته المتناثرة على قارعة الطريق إشارته إلى قضية الباحثين عن العمل كماً ونوعاً فيما لو أجريت أبحاث مباشرة حول هوية البائعين وعلاقتها بالمجتمع السعودي، فهل هم من فقراء الوطن؟ ودلالة ذلك على أهمية مراجعة معدلات الفقر التي ربما وصلت لمستويات تقتضي الحاجة لمراجعة آلياتنا المتبعة لكبح جماحه. أم هم من المقيمين مولدا ونشأة وأبناء الجاليات طالبي الجنسية من أبناء المواطنات وأبناء العمالة النظامية غير المصرح لها بالعمل ودلالة ذلك على وصولهم لمرحلة من التهميش من قبل مجتمع لا يعرفون سواه يلفظهم برغم ما يحملونه له من ولاء وحب وبالتالي فائدة مراجعة أولويات تشغيلهم باعتبارهم أحق بالعمل من غيرهم من العمالة المستقدمة وفائدة ذلك في توظيفها في الأعمال المهنية التي يحتاجها سوق العمل ولا يقبل عليها المواطن في مقابل استقدام عمالة لا هم لها سوى جني المال والعودة لأوطانهم، أم هم من مخالفي أنظمة العمل والإقامة المتسربة بعد التصحيح ودلالة ذلك على تغير تكتيكات العمالة المخالفة وانتقالها لمواقع هلامية غير محددة وفائدة ذلك في مراجعة الأنظمة وأساليب المعالجة المعمول بها لسد تلك الثغرات التنظيمية والأمنية. كما أن من فوائد الشاي على الجمر وعرباته المنتشرة وكثافتها الإشارة الواضحة على تضخم اقتصاد الظل ودلالة ذلك على تطور آلياته وتوسعه لمجالات جديدة تنهش اقتصادنا ليل نهار وفائدة ذلك في دراسة بقية إشكال اقتصاد الظل الأخرى وتتبع مسارات تطورها وطبيعة بيئاتها الحاضنة أو الاستفادة من تشجيع هذه العربات وأصحابها وتقنين أوضاعها ودعمها لتصبح مشروعات تنموية قائمة بذاتها على شاكلة المشروعات متناهية الصغر. ومن فوائد الشاي على الجمر أيضاً إعادة النظر في آلية وأساليب عمل نظم الحماية الاجتماعية المعمول بها حاليا، إذ أن من المؤكد أن هذه العربات إن كان من يعمل عليها من المواطنين تعيل أسرا كاملة لم تصل إلى ما وصلت إليه إلا بسبب عدم كفاية أو كفاءة آلية نظم الحماية الاجتماعية في سد احتياجاتها اليومية وفائدة ذلك في مراجعة وتحسين آليات توجيه النفقات المالية للدولة بالاتجاه الصحيح الذي يحقق أهدافها المعلنة في تحقيق معدلات الرخاء والتنمية لأبناء الوطن وبالتالي تفادي مشكلات التفكك الأسري وما ينتج عنها من شبهة والوقوع في مستنقع الجنح والجرائم وبروز ظاهرة أطفال الشوارع وغيرها من قضايا المجتمع. وأخيرا وليس آخرا فإن في انتشار عربات الشاي على الجمر بالإضافة إلى علامات الاستفهام الكثيرة التي قد تعن على المتأمل في كثرتها ومواقع انتشارها، شبهات أمنية حول تحولها إلى نقاط ترويج للمخدرات بين الشباب من طلاب الجامعات والمدارس بالاستفادة من عراقة هذا المشروب والارتباط الثقافي به وعدم لفته للانتباه بالتالي لابد من ضبط محتوياته وتحليلها والتأكد من صلاحيتها فالواقع يقول إنه ليس بها ما يدل على عراقة ماركات عالمية وليست اختراعاً لنكهة جديدة في صناعة الشاي ولا تخضع للرقابة البلدية في أحسن الأحوال، وبالتالي فإن في مراجعة موضوع انتشار عربات الشاي على الجمر لابد من أن ينعكس على المجتمع بعدة فوائد من عدة نواح اقتصادية واجتماعية وأمنية إما في إعادة تشكيله أو في حمايته من الأخطار المحدقة به.