اهتزت قلوب الملايين في بريطانيا عندما شاهدوا على شاشة التلفزيون رجلا في الرابعة والأربعين يتحدث في أسى ولمدة ربع ساعة تقريبا عن اضطراره إلى قتل أمه وكانت مصابة بداء السرطان المزمن في الكبد وتبلغ من العمر 80 عاما قضت منها السنوات الأخيرة في المستشفى بجرعات هائلة من «المورفين»، يقول «ديريك راوبوكوم» الابن «لقد أردت لأمي أن تتخلص من الألم وتستريح.. كل ما كانت تفعله طوال الوقت هو أن تتألم.. كنت أسمعها تبكي وتنزف أمامي من الألم لقد وضعوا لها نظاما تتعاطى من خلاله المورفين بجرعات قليلة لتخفيف آلامها ولكنه لم يكن مؤثرا»، تهتز كلمات «ديريك» وتضطرب خلجات وجهه وترتعش شعرات ذقنه الصغيرة وتنسحب نظرات عينيه إلى الفراغ وهو يردد «ولهذا جلست بجانبها وقلت لها آسف يا امي!! لقد أردت مساعدتها ولم يكن هناك حل آخر يمكن ان افعله وكنت في غاية الشعور بالإحباط وكان هناك زر في الجهاز الذي يمدها ب «المورفين»، ضغطت عليه وأنا أقول «إنني أحبك يا امي» حتى أفرغت المورفين كله»، وعندما قبض عليه الحراس قال لهم «لا يهمني شيء الآن لقد بذلت أقصى جهدي من أجل أمي ولا يهمني ما سيجري لي الآن»، لم يكن خائفا بل إنه كان يصف حالته في تلك اللحظة بأنه كمن ساعد من يحب على الحصول على راحة أبدية وهذا الارتياح الذي أحس به.. يعود إلى تأكده من أن أمه لن تعاودها مشاعر الألم الرهيبة التي كان يلمسها ولا يعرف كيف يخلصها منها وراح «ديريك» يردد في شبه ذهول «إنها الآن في سلام.. في أمان.. بلا ألم».. كان رأي أحد الأطباء الذين ظهروا على شاشة التلفزيون أنه يتمنى أن يتغير القانون حتى يسهل الآلام على المريض وأهله ويسمح له بالموت الرحيم ويخفف معاناته.. وأكدت زوجة «ديريك» جنيفر أنها تسانده في ما فعل وأنها كانت ستفعل الشيء نفسه لو كانت أمها المريضة !! وليست حكاية «ديريك» وأمه آخر الحكايات التي تروى عند مناقشة القتل الرحيم والتي تختلف حولها الآراء وتتعارض من أقصى التأييد لمبدأ السماح للأطباء والأهل بإنهاء حياة المريض الميئوس من تحسن حالته أو شفائه إلى أقصى الاعتراض على اي نوع من التدخل البشري بإنهاء حياة الآخرين مهما كانت حالتهم الصحية متدهورة، ففي نفس اليوم الذي أقدم «ديريك» المسكين على تخليص أمه من عذاب المرض وآلامه بقتلها كان اللورد «ماكاي» المحامي العام البريطاني يلقي كلمته الأخيرة في أول قضايا «الحق في الموت» في إقليم اسكوتلندا حول امرأة عمرها 53 عاما كانت تعاني طوال 4 سنوات متواصلة من حالة غيبوبة تامة.. قال المحامي العام «إن الأطباء الذين قرروا وقف علاجها وتركها تموت بسلام لن توقع عليهم عقوبات إجرامية وإنهم ليسوا مدانين بالقتل أو المساعدة على القتل الرحيم لثمانية مرضى في قضايا متفرقة كانوا في غيبوبة تامة.. وذلك بالسماح للأطباء والأهل بنزع أنابيب التغذية عنهم»، وفي أستراليا سمحت السلطات الأسترالية ل «بوب دينث» 66 عاما والمصاب منذ خمس سنوات بسرطان البروستات تلقي حقنة قاتلة بواسطة جهاز في منزله بعد موافقة الأطباء على ذلك، وأثار هذا الحادث انقساما كبيرا في أستراليا خاصة بعد صدور القانون الذي اعتمد في ولاية أرض الشمال الأسترالية أن يحظى أي طلب بهذا الخصوص بموافقة ثلاثة أطباء يعملون في الولاية نفسها، بينهم طبيب نفساني واستشاري المرض الذي يعاني منه المريض.. والانقسام في أستراليا تجاه الموضوع ليس جديدا والاعتراض قائم والجواب في السماء، «وإذا جاء أجلهم لا يستقدمون ساعة ولا يستأخرون» صدق الله العظيم.