أثارت قضية المواطن الكندي حسن رسولي الذي يعيش منذ سنتين في حال غيبوبة دائمة (كوما)، جدلاً واسعاً حول مشروعية «الموت الرحيم» الذي ما زال يشغل الأوساط الطبية والقانونية والإعلامية والشعبية في كندا. فعلى خلفية ما يعانيه رسولي من حال صحية حرجة للغاية، عجز الأطباء عن معالجتها وشفائها، تقدمت أخيراً «الجمعية الوطنية» في كيبك (البرلمان) بمشروع قانون يحمل الرقم 52، يحق بموجبه لطبيب متخصص أن يساعد مريضاً في «حال موت سريري» على وضع حدّ لحياته. ومما جاء في القانون: «على المريض أن يتقدم بطلب الموت، وأن يكون مرضه في حال حرجة جداً وغير قابلة للشفاء، وأن يكون راشداً ومشمولاً بالضمان الصحي، وله معاناة طويلة أنهكته صحياً وجسدياً ونفسياً. وتقول وزيرة الخدمات الاجتماعية المسؤولة عن ملف «الموت الرحيم» فيرونيك هيفون إن «من الضروري أن يكون الشخص المريض في حال موت لا يمكننا توقع حصولها في تاريخ معين أو تحديد حد أقصى لها. إنما لدينا معايير طبية وقانونية واجتماعية وإنسانية تعطي الطبيب الحق في إنهاء حياته في الوقت الذي يقرره». وتوضح الوزيرة أن مصطلح «الطبيب المساعد على الموت» اختير بعناية فائقة. وهو لا يعني في أية حال، كما يردد بعض المعترضين، مساعدة المريض على الانتحار أو القضاء على حياته رغماً عنه. فمثل هذا الادّعاء نعتبره فعلاً شاذاً وتصرفاً غريباً يتنافى مع قيمنا الأخلاقية والطبية والإنسانية». وتؤكد هيفون أن «الموت الرحيم في القانون الطبي الكندي ينبغي أن يكون مشروطاً ومحدداً بآليات وقواعد معينة لا يمكن تجاوزها. ويعطي توجيهات صارمة تقتضي بتكرار المقابلات مع المريض في أوقات مختلفة تحسباً لما قد ينجم عنها تغير ما في حاله الصحية، وأن تجري هذه الإجراءات بحضور طبيب آخر يقدم تقريراً مفصلاً عن كل تلك المراحل». إرباكات مقلقة تفيد تقارير الأطباء المتابعين لحال رسولي أن قضيته شكّلت سابقة هي الأولى من نوعها في كندا. وأحدثت إرباكاً شديداً، ليس بين مؤيد ومعارض وحسب، وإنما أيضاً في تحديد الجهة المخوّلة اتخاذ القرار النهائي لوضع حد لحياته. هل هو المريض نفسه؟ أم الهيئة الطبية المشرفة على علاجه؟ أم عائلته التي تنوب عنه بسبب عجزه الصحي؟ علماً أن الأطباء يصرّون على نزع الأنابيب التي تبقيه على قيد الحياة، فيما ترفض أسرته أي حلٍ طالما يبدي بعض التجاوب معها بين حين وآخر. حيال هذين الموقفين المتناقضين، ترى الدكتورة الكندية فيليبس نوتنز، أستاذة القانون الطبي والأخلاقيات في جامعة شربروك، أن «قضية رسولي مسألة خلافية معقدة بين أطباء لا يرون أي أمل بشفائه، بعدما فقد وظائفه العصبية والإدراكية، وبين أهل يصرّون لاعتبارات عاطفية ودينية على أن حياته لم تنطفئ على رغم غيبوبته». الحل الأمثل؟ ترى نوتنز أن «من الخطأ التخلي عن التقدم الطبي. ولكن علينا أن نعرف كيف ومتى نطبَق التقنيات المتطورة». وفي حال رسولي العاجز عن اتخاذ قرار بنفسه، تلفت إلى أنه ينبغي على الأطباء والأهل والمحكمة أن يقرروا واحداً من أمرين: إما متابعة العلاج، وإما وقفه من دون إهمال البعد الإسلامي للقضية. وإلى أن ينتهي الجدال في كندا حول مصير رسولي خصوصاً، والموت الرحيم عموماً، يبقى الجواب النهائي معلقاً على قرار المحكمة الكندية العليا التي ستلفظ حكمها النهائي في غضون الأشهر القليلة المقبلة. يذكر أن القضية أرخت بظلالها على فئات واسعة من الشعب الكندي، فخرجت تظاهرات مندّدة بقانون «الموت الرحيم» وفجّرت انقساماً في الجسم الطبي ودخلت بازار الانتخابات النيابية وتجاذب الأحزاب السياسية. وأدت إلى نزاع قانوني حاد بين مقاطعة كيبك وأوتاوا، العاصمة الاتحادية التي تحظر في شكل مطلق الموت الرحيم وترى فيه قتلاً متعمداً وانتهاكاً صارخاً لآدمية الإنسان. وثمة من يرى أن للقضية بعداً اقتصادياً نظراً إلى ما يوفره الموت الرحيم من أموال باهظة تنفق على حالات مماثلة في أقسام العناية المشدّدة في المستشفيات.