احتفالية معرض الكتاب الدولي في الرياض لهذا العام هي خطوة نحو الإصرار الجميل على تثبيت فكرة الخيار المستقبلي للسير نحو المعرفة. وتشي الاستمرارية والإصرار على إنجاح معرض الكتاب لهذا العام على عزيمة دفع الحركة الثقافية نحو الأمام، وقد اتضحت النية جلية في إحداث ذلك الأثر من خلال تبني كل القطاعات الحكومية انسيابية الحركة داخل المعرض، وتنقية أجوائه من المنغصات التي كانت تظهر في كل عام، وتنحرف بقصدية اتخاذ الكتاب كتظاهرة ثقافية تجدد وتحرث المعارف لإحداث نقلات نوعية في التفكير، وفي استهلاك الكتاب كمادة محفزة على التعددية الفكرية التي تكون سمة المجتمعات المتحركة. وأي تجمع بشري هو بحاجة ماسة إلى فتح نوافذه من أجل تجديد هواء المكان، ولأن الكتاب غالبا ما يحمل أفكارا قادرة على جعل المرء في حالة فكرية صحيحة، كان فرحنا الموسمي باستمرار هذا المعرض، وإن كنا نتمنى عودة معرض جدة الدولي، وربما كنا نطمح إلى أن تتعدد معارض الكتب في المناطق الكبيرة من المملكة. ومعلوم أن لكل دولة قوتها الناعمة والمتمثلة في الفنون والآداب والآثار، وأي اهتمام بهذه القوة هو اهتمام بمواصلة بناء وطن قوي بكل مستلزمات القوة، فإن كان البعض ينافح ضد إقامة المعارض للكتاب أو افتتاح صالات للسينما أو المسرح أو الاهتمام بالآثار، فهو يدعو إلى إضعاف الوطن في جوانب غدت من قوى الدول المتقدمة التي تهتم بنموها ومواصلة تألقها. وفي زمن لم تعد القوة العسكرية هي السلاح الوحيد الذي يظهر رفعة الدولة إذا تشاركت قوى عديدة في منحها شارة القوة، وهي الفنون بأنواعها، والتي اصطلح على تسميتها بالقوى الناعمة يغدو ضروريا على كل دولة أن تعيد استراتيجيتها في بناء تلك القوى. والثقافة قوة عظيمة متى ما استطاعت أن تجعل من الفرد عنصرا وطنيا فاعلا في بناء وطنه، ويتأتى ذلك من خلال تنوع الأفكار وجدليتها الدافنة للميت مما لا ينفع في توليد حياة عصرية تهتم بحل المعضلات الحياتية بتوليد أفكار تصنع المستقبل، والذين يخافون من الثقافة هم من لا يقدرون على تغيير أفكارهم ويريدون من الزمن أن يقف معهم في حالتهم، بينما يغيب عنهم أن من أهم صفات الزمن السيولة وعدم التخثر ومن يريد أن يعيش في الزمن عليه أن يكتسب صفة السيولة، وصفة السيولة للإنسان ليست مسبة، بل لها صفة الجريان في وعاء لا يستقبل الكتل المتحجرة.