رغم أنني حرة بنت أحرار إلا أن ورقة علقت في عنقي منذ مدة طويلة حتى أصبحت جزءا من اللحم والعظم اسمها المحرم وأذنه وعطاياه ومنحه ورضاه وسخطه قد نشبت في حلقي بشدة وصادرت إنسانيتي وجعلتني ملكا متنقلا من الأب للزوج ومن الزوج للابن ومن الابن للحفيد. بعدما أنجبت الأبناء والبنات وخدمت الوطن برموش عيوني وقدمت كل ما أستطيع من علم وعمل يوضع أمري برمته في يد رجل قد يكون مبتزا أو ناكرا للعشير أو شابا حملته في تجاويفي، أو أخا لاعبته وغيرت له مرايله ذات يوم فأتى به الزمان وصيا على تحركاتي فيا أهل العلم والفهم والرؤية الثاقبة اعتقوني من ذلك. كيف يمكن لا مرأة جاوزت الخمسين أن تظل تحت وصاية المحرم يسمح ويمنع لها بالتحرك والسفر سواء كان ذلك لطلب علم أو تشاف أو نحوه. أتحتاج سيدة في هذه المرحلة العمرية إلى وصاية فعلا وكأنها مراهقة لم تبلغ الخامسة عشرة وتحتاج إلى من يردعها ويجنبها المزالق. إن الأربعين يا سادة سن النضج العقلي الكامل للإنسان وإلا ما أصبح سن النبوة، فهل نفترض أن النساء ينضجن دون الرجال وبعدهم بسنوات طويلة في السبعين مثلا. و لو وصلت المرأة عمر المائة لابد لها من إذن ذكوري حتى لو كان من الجيل العاشر في أقاربها فماذا نسمي ذلك وإلى أي منطق يحتكم. وقد استغل كثيرون هذا الحق بشكل تعسفي بشع بهدف الكيد لقريباتهن أو ابتزازهن ولو نكأنا الجرح لسمعنا عجب العجاب من الحكايات الغرائبية. حيث يحرم الكثير من الأقارب سفر السيدات على المطلق لأنه خاص بالرجل ومن الأمور المعيبة للمرأة بينما يبيح لنفسه في أي فرصة وكل وقت ذلك ولو على حساب مدخرات ومعيشة أسرته والشواهد الصيفية كثيرة. كما يرفض الكثير من الأقارب سفر قريبتهم لمجرد أنه لا يرى ضرورة لذلك فتتعطل مصالح هذه السيدة وتتقزم فرصتها في تطوير نفسها علميا أو في قضاء إجازة مثلها مثل بقية الخلق وما إن تحل الإجازات إلا و يحمل زوجته وأبناءه على أجنحة الطير. وأعرف كثيرات يتجرعن قهر هذه الحال أسيرات لهذا المنطق الملتوي حسب المصلحة والحاجة مما يضطرهن إلى تجرع الحسرات أو الارتماء في أنياب زواج غير متكافئ يعتقدن ظنا أنه سيكون حلا لهن وهو في غالبه فخا ابتزازيا بامتياز. وقد تذهب السيدة مع أحد إخوتها ليأذن لها في السفر فيرفضون ذلك ويطالبونه بوكالة شرعية في كتابة عدل ألا يجزئ وجود السيدة نفسها عن ورقة مختومة منها. كما قد لا يكتفون بأحد الإخوة بل يطالبونها بإحضار أكبر إخوتها على التخصيص ولا أعلم على أي دلائل شرعية يستندون في ذلك وماذا لو كان هذا الأخ الأكبر خصما لهذه المرأة في دعوى أو استيلاء على ورث كما أصبح موضة المجتمع مؤخرا مما يعني تعطيلا كاملا أو حب الأيادي والرؤوس. إن كان الإذن ضروريا وهو كذلك في بعض الحالات فليقتصر على عمر معين ولا يطبق على من تجاوزت الخمسينات ففي هذا إجحاف حقيقي في كرامتها وحقها كإنسانة ومواطنة، وأم، فكيف تربي الأجيال من تعيش تحت وصاية من تربيهم وكيف يكون المقوم هو المقوم في نفس الوقت فاعتقوا النساء من هذا الربق فهن الأمهات اللاتي أوصى بهن الرسول أمك أمك أمك ثم أبوك وهن أخوات الرجال ومربيات الأجيال.