لا يختلف اثنان على النجاحات الكبيرة التي حققتها المرأة حتى استطاعت أن تثبت تفوقها العلمي والوظيفي في كثير من المجالات رغم التحديات والعقبات التي تقف في طريقها، وأصعبها على حد قول بعضهن مصادرة حقها في مواصلة التعليم أو العمل، في وقت تنتظر فيه الدعم والمساندة من قبل أقاربها الرجال، حيث تأتي "السلطة الذكورية" محاولةً إقصاء المرأة من ممارسة كثير من حقوقها. وذكرت سيدات أن هناك كثيراً من الرجال يخشون الاقتران بالمرأة المتفوقة علمياً أو عملياً لخوفهم من تهميش آرائهم أو مقارنتهم بما وصلت إليه زوجاتهم من نجاح أو تميز، إلاّ أن هناك سيدات يختلفن عن هذا الرأي لاقتناعهن أن المرأة في غالب الأحيان تصل إلى النجاح من خلال دعم الرجل. هل يكره الرجل تفوق المرأة؟ رغم أن التاريخ يسجل تفوق الرجال علمياً وعملياً على المرأة "من حيث النسبة"، يوجد كثير من السيدات متفوقات على الرجال من الناحيتين، إلاّ أن الوضع في الفترات الأخيرة بدأ يتغير ابتداءً من إصرار المرأة على حقها في مواصلة التعليم والحصول على أعلى الشهادات وهو ما أدى إلى تأخر بعض الفتيات عن الزواج بهدف عدم تعرقل مسيرتهن التعليمية، فيما استطاعت أخريات من التوفيق بين الدراسة والأسرة مع أزواج متفهمين وحريصين على مساندة زوجاتهم؛ ليحققن ما يتمنينه من تعلم وعمل. ومع كل ما تشهده المملكة من تطور علمي واجتماعي، لا يزال بعض الرجال ، ممن يحبون التسلط ، يمنعون قريباتهم سواء أكانت أختاً أم زوجة أم ابنة من مواصلة الدراسة الجامعية على سبيل المثال خصوصاً عندما تستدعي هذه المرحلة السفر والاغتراب، فيما يستبعد آخرون فكرة عمل المرأة بشكل نهائي، مؤكدين أن دورها الأساسي هو أن تكون ربة منزل فقط. وفسّر مختصون اجتماعيون هذا الرفض من قبل الرجل لشعوره أنه صاحب السلطة، ولكونه قوّاما على المرأة، إضافة لما يشاهده ويسمعه من أحاديث تتداول في المجالس عن بيئات العمل التي تكون المرأة أحد أطرافه، فيما يؤكد رجال آخرون أن قوامة الرجال على النساء ليس في العلم والعمل باعتبارهما متاحين للجميع ويحق لهن التنافس؛ للوصول لأعلى المستويات العلمية أو الوظيفية، حتى مع بقاء صورة الرجل كمصدر للسلطة والسيادة التي كفلها المجتمع الشرقي الذي صوّر المرأة بشكل مباشر أو غير مباشر بالضعيفة التي لا تستطيع مواجه الأخطار أو مطامع الرجال؛ لينتج عن ذلك سلوكيات المبالغة في الخوف على المرأة بمنعها عن الخروج من المنزل واقتصار دورها فيه، بحجة عدم ملاءمتها للعمل خارجه، فيما تكون مسؤولية الرجل الكد والعمل لتوفير احتياجات العائلة. «السلطة الذكورية» تخاف على مصير «الوصاية» ونبرة الصوت العالي.. والتكافؤ بين الجنسين تناقض القبول في الوقت الذي يرفض فيه بعض الرجال فكرة عمل قريباته في بعض الوظائف ك"التمريض" و"الطب" أو حتى الأعمال البعيدة عن البيئات المختلطة، إلاّ أنهم في الوقت نفسه لا يسمحون لأي طبيب أو ممرض بالقرب من محارمه، مطالباً بتوفير ممرضات أو طبيبات للكشف أو التطبيب عليهن، وهو ما يبيّن أن هناك تناقضاً واضحاً في سلوكيات البعض. وكشفت "سعاد" - موظفة مصرفية - أنها تتعرض يومياً لاستنكار من بعض عملاء البنك، عند مهاتفتهم بغية تسويق بعض خدمات البنك، أو لحل مشاكلهم، حيث يقدمون لها النصائح بترك العمل والتفرغ لخدمة العائلة، مضيفة:"يصل الأمر في بعض الأحيان إلى أن يعرض بعضهم مساعدتها في الحصول على زوج متمكن مادياً يغنيها عن العمل"، مشيرةً إلى ان هناك آخرين يثنون ويمدحون خدماتها، ويتمنون لها النجاح والاستمرار في العمل والمساهمة في نهضة الوطن بكافة المجالات، موضحةً أن تحديات العمل لم تمنعها من مواصلة عملها والإصرار على تعلم المزيد بهدف الارتقاء والحصول على خبرات أكثر، خصوصاً في ظل وجود احتكاك مباشر مع العملاء ذوي الأمزجة والثقافات المتنوعة، منوهةً أن فكرة التحاقها بوظيفة لم تنل استحسان بعض أفراد أسرتها، إلاّ أنها استطاعت أن تقنعهم بحاجتها الماسة للشعور بأهميتها كعنصر فعاّل في المجتمع، مع كامل احترامها لكافة التقاليد والعادات الاجتماعية، لكونها تهتم بتعاليم الدين الإسلامي بالدرجة الأولى، والذي لم يمانع من عمل المرأة. سيدات في مهمة عمل لتطوير الذات وتحمل مسؤولية العمل مخالطة الفنانات من جانبها، لم تستطع الشابة "منى" والتي ترغب أن تكون فنانة تشكيلية من تطوير موهبتها في الرسم، لممانعة أحد أخوتها من الالتحاق بأي دورة تدريبية في الرسم، وذلك لاعتقاده بأن مخالطة الفنانات ستفسد أخلاقها، كون أغلبهن يشاركن في معارض فنية مختلطة، مضيفةً:"على الرغم من نظرات الإعجاب التي أجدها في وجه أخي عند مشاهدته للوحاتي ورسوماتي، إلاّ انه لا يزال يُصر على عدم التحاقي بأي دورة أو ورشة تدريبية تساعد على صقل موهبتي"، مشيرةً إلى أن ذلك لم يجد ردعاً لأخيها من قبل والديها اللذين لم يرغبا التدخل حتى لا تكبر المشكلة، مبينة أنها تنتظر الزواج حتى تستطيع أن تحل مشكلتها، وتطور موهبتها. تجارب ناجحة مع كَم القصص الكثيرة التي تتحدث عن ممانعة الزوج أو الاخ أو الاب لعمل نسائهم في مشروعات تجارية، إلاّ أن هناك كثيرا من التجارب الناجحة التي يفخر المجتمع بها، كما قالت "إنعام العصفور" - ناشطة اجتماعية - إن هناك تغيرا واضحا لدى كثير من شرائح المجتمع الذي أصبح يتفهم أهمية دخول المرأة في مجال العمل الاقتصادي، حيث إن ضروريات الحياة اليوم باتت تتطلب أن يعمل الرجل والمرأة متزامنين مع بعضهما لتحقيق قدر جيد من المستوى المعيشي، مضيفةً:"هناك تناقض كبير بين رغبة الرجل بالارتباط مع امرأة ذكية تتفهم الحياة وتعرف كيف تخوض فيها بنجاح وتناقش في كل ما يتطلب النقاش، وبين الشخصية الذكورية المتسلطة التي تود الاستئثار برأيها ولا تقبل الجدال، إضافة لبعض الأنانية التي تهدف لحصر المرأة في جانب واحد فقط وحرمانها من جوانب أخرى تعزز الحياة الأسرية بما يساهم في تكوين مجتمع ناضج"، مشيرة إلى أن الموروث الثقافي والإنساني للمرأة سيساهم في تقليل الفجوة بين الرجل والمرأة، وذلك كون بعض السيدات كلما زادت ثقافتهن زدنَ تواضعاً، والعكس قد يكون صحيحا، مؤكدةً أن التربية المتوازنة للمرأة والفكر المتوازن يسهمان في سد هذه الفجوة بين الزوجين، فالحياة لا تقوم بشهادة معلقة أعلى الحائط، بل على أخلاقيات وسلوكيات إنسانية جيدة. إنعام العصفور إقصاء المرأة وترى "ندى عبدالجليل الزهيري" - كاتبة وناشطة اجتماعية - أن هناك عدة أمور ساهمت في إقصاء المرأة من حراك المجتمع، وذلك باسم الدين تارة، والحفاظ على الأخلاق والموروث والتربية وسد الذرائع تارة أخرى، مضيفةً:"هناك رجال يخشون المرأة الناجحة والذكية ولا يفضلون الاقتران بها لاعتقادهم أنها تشكل تهديدا لشخصياتهم، وتحديداً الرجال أصحاب الأفكار الأحادية والمتعصبة ضد المرأة، والذين يرون في نجاحها انتقاصا لشخصياتهم، ما جعل الكثير منهم يمارسون عنفاً غير مبرر تجاه أخواتهم أو زوجاتهم، أو حتى أمهاتهم بالتعنيف وإصدار الأوامر القمعية ضد أسرهم بمنعهم من الخروج أو الرد، أو من خلال الرد على المكالمات مع التحكم في اللباس، لتصل في بعض الأحيان للتطاول عليهن بالشتم والضرب وتكسير حاجياتهن الشخصية بطريقة هستيرية ومنعهن من مواصلة الدراسة، أو عدم مزاولة أي مهنة خارج المنزل، ما يجعلهم أشبه بالمستبدين الساديين الذين يتلذذون باستعباد المرأة والقسوة عليها". التكافؤ العلمي وقالت "ندى": إن التكافؤ العلمي والثقافي والاجتماعي عامل مساعد لتوافق الحياة الزوجية واستمرارها، فكثير ممن خشينَ من العنوسة سواء أكاديميات أو موظفات، وافقن على الاقتران بأزواج أقل منهن مستوىً علمياً أو اقتصادياً، وهو ما تسبب في فشل هذا الزاوج، مبينةً أن عددا من تجارب زواج المتفوقة على الأقل منها مستوى تفشل وتكون غير مستقرة في حالة استمرارها، مستشهدة بمعلمة تزوجت أحد أقاربها وهي في المرحلة الابتدائية، حيث وفر لها الزوج كل الظروف المتاحة لتعليمها، حتى تخرجت في الجامعة، فيما بقي هو على وظيفته "حارس" لإحدى المدارس الخاصة رغم محاولاتها المستمرة إقناعه بمواصلة تعليمه والارتقاء بوظيفته، إلاّ أنه لم يملك النفس الطويل لمواصلة تعليمه ليبقى على حاله، بينما هي تتقدم وتصاب بالغرور خصوصاً بعد أن تملكت مسكناً باسمها ومعايرتها المستمرة له لينتهي مشوارهما بالانفصال المذل له، مشيرةً إلى أن هناك العكس من السيدات المتفوقات اللاتي حرصن بعد اقترانهن بأزواج بسطاء، لرفع مستواهم والأخذ بيدهم، كما حدث مع السيدة التي تزوجت من موظف بسيط وهي معلمة، واستطاعت من خلال طاقة الحب التي تمتلكها تجاه زوجها الأخذ بيده دون أن تشعره بدونيته لإكمال تعليمه المتوسط والثانوي والجامعي ليصل إلى مرتبه متقدمة في وظيفته، ليعيشا بتفاهم وسعادة نظير إيمانهما بقدرات بعضهما. فوزية الهاني رجال عظماء وذكرت "فوزية الهاني" - أخصائية اجتماعية في مجال الأسرة والتربية - أن بعض الرجال متعاونون جداً ويسهمون في نجاح زوجاتهم أو أخواتهم، منوهة أن تعميم فكرة تسلط الرجل وممانعته لنجاح المرأة غير صحيح، حيث يقف في الكثير من الأحيان خلف كل امرأة ناجحة رجل عظيم ساعدها ووقف بجانبها لتحقق أهدافها، مضيفةً: "فعلاً هناك رجال يجدون صعوبة في التنازل عن السلطة لصالح الزوجة، ولكن لو تم التفكير أن الموضوع يعتمد على التشاور الثنائي وعدم الاستبداد برأي واحد لنجح الزوجان في تسيير أمورهما بطريقة أكثر من ممتازة"، موضحة أن الرأي المشترك أفضل من الرأي الواحد الذي يعتمده بعض الرجال المتشددين والمتمسكين بالصورة النمطية المجتمعية للأسرة التي تعتمد على إقصاء الرأي الآخر، مشيرة إلى ان هناك كثيرا من السيدات اللاتي استطعن أن يغيرن بعض المفاهيم الخاطئة في عقليات أزواجهن الذين كانوا سابقا يمنعون أخواتهم أو أمهاتهم من بعض الممارسات كمواصلة التعليم أو مزاولة التجارة وغيرها، فيما تغيرت قناعتهم وتفكيرهم بعد زواجهم من خلال انفتاحهم النفسي مع شريكات حياتهم ليكتشفوا أنهم كانوا يعيشون انغلاقاً مع أسرهم.