محبة الرسول القدوة صلى الله عليه وسلم واتباع ما جاء به ليست مناسبة لها مواسم للتظاهر بالاحتفاء ثم تتوارى من حياتنا وتغيب عن معاملاتها وسلوكنا.. هذا عمل لا تتحقق به معاني الحب الذي هو شرط للإيمان، بل يخشى أن يكون في هذا الإساءة والاستهانة بالحبيب وما يدعو إليه. وفي هذا الشهر من كل عام يعاد حديث مكرور حول الاحتفال والاحتفاء بذكرى مولد المصطفى صلى الله عليه وسلم، وهو حديث فيه من اللغط الخلافي أكثر مما فيه من البحث عن مساحة الحب في حياة المحتفلين والناكرين، ومدى تأثيره ودلالاته في سلوك الطرفين التي لا يعبر عن حقيقتها إلا الاقتداء «لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر». ليت المشتغلين بهذا الأمر أن يعطوا أهمية لتأمل ثمرات هذا النقاش الدائر منذ عشرات السنين، وأين هو من واقع المجتمع في تعامل أفراده مع المتفق والمختلف. وليتهم اعتنوا بأسباب ضعف الاقتداء في حياة الغالبية. ويبدو أن من دوافع الاقتداء الحي في الأرواح هو المحبة الصادقة المبنية على الثقة في أن هذا الرسول صلى الله عليه وسلم جاء بالخير رحمة بالمؤمنين، فهو «عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم». فكيف يمكن للمعنيين بالتربية وصناعة الرأي العام أن يوجهوا المجتمع إلى ترجمة هذه المعاني إلى سلوك تطبيقي على أرض الواقع؟ هذا هو التحدي الحقيقي، فالعقول إذا أيقنت أن هذا المبعوث رحمة للعالمين جاء ليرشد الناس إلى الطريق القويم بأقواله وأفعاله وسلوكه، وهيئت النفوس لتلقي ثمرة المحبة، فحينها تكون النصوص أوقع أثرا، والمواعظ أقوى تأثيرا. ومن أخلاق النبوة السامية ونورها الباهر وبحرها الدافق، نقتبس معاني لا تبلى في نفوس المحبين وقيما تسمو بالإنسان المؤمن إلى عليين. كان لحسن الخلق منزلة سامقة في موازين النبوة، يحظى أهله بالمكان الذي يتطلع إليه الطامحون من العباد والصالحين والمنفقين. إنه القرب من الشفيع المشفع والجوار في الفردوس الأعلى، في دار الخلود والنعيم الأبدي. «إن أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا، الموطؤون أكنافا، الذين يألفون ويؤلفون». وكان لا يحب أن ينقل إليه من الكلام ما يشوه صورة من حوله «لا يبلغني أحد منكم عن أحد من أصحابي شيئا فإني أحب أن أخرج إليهم وأنا سليم الصدر». وكان صلى الله عليه وسلم يكبر الصدق ويجل الصادقين، ويكره النفاق والمنافقين، ويحث على الوضوح والشجاعة والإخلاص في القول والعمل: «ذو الوجهين لا يكون عند الله وجيها». وكان التيسير عنوانا بارزا في سيرة سيد الخلق، فما خير في أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما. حلمه وعطفه وتسامحه لا يصدر إلا عن مشكاة النبوة: يوم أحد كسرت رباعيته وشج وجهه صلى الله عليه وسلم فقال أصحابه: لو دعوت الله عليهم فقال: إني لم أبعث لعانا ولكني بعثت داعيا ورحمة، اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون.. لنجعل ذكرى مولده برنامجا للاقتداء بسنته، صلِّ اللهم على الحبيب سيد ولد آدم، وارزقنا شفاعته، واكتب لنا شربة من حوضه يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.