نعيش هذه الأيام الذكرى العطرة لمولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مختلف دول العالم الاسلامي بل في مختلف دول العالم دون مبالغة ، ولقد جرت العادة ان يدور سجال في مثل هذه الأوقات حول الاحتفاء بالمولد النبوي الشريف وذكراه او عدم الاحتفاء به ، وفي اعتقادي ان الكثيرين قد تجاوزوا هذا الموضوع ، وأصبحت هناك قناعات ووضوح حول الاحتفاء به وتكريمه صلى الله عليه وآله وسلم لأن الله سبحانه وتعالى قد كرمه وأعلى شأنه صلى الله عليه وسلم ، وأصحابه الكرام البررة كرموه واحتفوا به وبتاريخه وبسيرته وكانوا يجتمعون ليحمدوا الله على أن من عليهم بالرحمة المهداة صلى الله عليه وسلم وعندما سألهم ما أجلسَكم قالوا : جلَسنا ندعو اللَّهَ ونحمَدُهُ ، على ما هدانا لدينِهِ ومنَّ علينا بِكَ قالَ آللَّهُ ما أجلسَكم إلَّا ذلِكَ.. قالوا آللَّهُ ما أجلسنا إلَّا ذلِكَ. قالَ أما إنِّي لَم أستحلِفْكم تُهمةً لَكم وإنَّما أتاني جبريلُ عليْهِ السَّلامُ فأخبرَني أنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ يُباهي بِكمُ الملائِكةَ " ( صحيح الترمذي ) بل انهم حرصوا على كل ماله صلة به صلى الله عليه وسلم حتى العرق المتصبب من جسده الشريف عليه وعلى آله أفضل الصلاة وأزكى السلام . وفي هذا الصدد أعتقد أن سؤالنا الأساسي هو كيف نحتفي بهذا العطاء الرباني الذي خص الله سبحانه وتعالى به عباده من نور ورحمة بعثها للخلق متمثلة في سيد خلق الله عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة والتسليم ، فيجب أن نجتهد وأن نتنافس ونطور كيف نجعل ذكرى مولده موسماً للطاعات من حيث إحياء السنن وتدارس سيرة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ومختلف جوانب حياته الشريفة ، واستخراج الدروس والعبر وترطيب القلوب بها حتى تسلك طريق المحبة الذي أوضحه صلى الله عليه وآله وسلم : " لايؤمنُ أحدُكم حتى أكونَ أحبَّ إليه من ولدِه ووالدِه والناسِ أجمعِينَ ) ( صحيح النسائي ) وحتى نصدق الله في العمل بهذا المنهج يجب أن نأخذ بالأسباب ، فالحب كما قيل عمل من أعمال القلوب ، وأعمال القلوب لها أدواتها ومفاتيحها والمحب تجده دائما متعلقاً بالحبيب وبكل ما يتصل به . فيجب أن نقوم بكل عمل يلزمه هذا الحب وتلزمه هذه الصلة التي أساسها ذكر الله وتدارس سيرته وكثرة الصلاة عليه صلاة تليق بمكانته صلى الله عليه وسلم ، لنكون من اولئك الرجال الذين يطيعون الله ويتبعون النبي صلى الله عليه وسلم: { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ }. ( آل عمران / 31) ومن أهم ما يجب أن تصرف اليه الهمم في هذه المحبة والاتباع وهذه الطاعة هو أن ندعو اليها أنفسنا وناشئتنا بنين وبنات ، ونصوغها لهم بطريقة سلسة تجعل تعلقهم بها تعلق محبة حتى يتصل هذا النور بأجيالنا ، وان نؤدي نحن واجبنا تجاهها فمحبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم هي أصل من أصول الدين ، فاذا نشأ الطفل على حب الله وتوحيده ومحبة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم فقد تأسس على العروة الوثقى لا انفصام لها . فأسأل الله في هذه الأيام المباركة من ذكرى مولده صلى الله عليه وآله وسلم أن يرشدنا وأن يدلنا على ما فيه خير أمتنا وشبابنا وان نتفق ولا نختلف على كيفية الفرح به صلى الله عليه وسلم لأنه سبحانه وتعالى قد امرنا بأن نفرح بالرحمة ، والنبي صلى الله عليه وسلم أعظم رحمة فقد أرسله الله رحمة للعالمين (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِين) َ(الانبياء / 107) .