الحب، الله يفكنا من هذه الكلمة، التي تحمل في أعماقها (العمار والدمار) في آن واحد، ولا أظن، بل وأعتقد، وفوقها أجزم، أنه ليس هناك كلمة من مفردات كل لغات شعوب العالم، أكثر رقة وشراسة من هذه الكلمة التي تحوي في طياتها كل ألوان الطيف، ابتداء من الأخضر السندسي، وانتهاء بالأحمر الناري. إنني شخصيا أبرأ لله من هذه الكلمة، فلم أكن في يوم من الأيام صديقا لها، كنت على الدوام أحاذر وأمشي على جانب (الحيط) خوفا منها. وبحكم ضعفي المنقطع النظير لهذا عقدت العزم من اليوم فصاعدا أن أكون يابانيا أكثر من أهل اليابان الذين استهوتني طريقتهم بالعشق، فأغلبهم وليس كلهم، ليس لكلمة الحب هذه الدرجة من الأهمية عندهم، فنادرا ما ينطقها الرجال منهم. فمثلما قالت إحدى الزوجات وهي صادقة: إن كلمة (الأرز) عندنا أهم من كلمة الحب، لأننا زوجان جيدان، لا نتذمر ولا نخادع. بل إن هذه الكلمة لا مقابل لها في اللغة اليابانية، وأكثر من ذلك أن الرجال هناك يرون أن كلمة (أحبك) بصوت مرتفع ينقص من قدر العاطفة بين الزوجين، وغالبا ما يتبادل الأحباب منهم لواعج الغرام بالنظرات فقط بدون أي كلام. لهذا استغلت بعض الشركات (نقطة الضعف) هذه، فطرحت في الأسواق تسجيلات صوتية، تحوي كلمات الغزل والغرام، وما على كل عاشق أو زوج، إلا أن يشغل (السي دي) أمام محبوبته، ويسمعها التسجيل دون إراقة منه لماء وجهه. وأروع ما في أهل اليابان أن هناك عيدا عندهم يسمى عيد الزوجة المحبوبة (9 8)، ولو أنكم سألتم عن هذا الرقم فهو يعني أن الحضور أو اللقاء هو في الساعة (الثامنة وتسع دقائق) بالتمام، لهذا يتعانق العشاق والأزواج في ذلك التوقيت بالتحديد، وأغلبهم لا يقولون لبعض (أحبك)، وإنما يشغلون (السي دي) وهي التي تقوم بتلك المهمة، ويسمعونها بأنصات وعيون بعضهم تفيض بالدمع من كثرة الشغف والمحبة. وما أبعدهم عن تلك (الولية) العربية المدردحة التي سمعتها في مكان عام وهي تخاطب زوجها المحترم وتفتح عليه جاعورتها الواسعة قائلة له: اللي ما يحطني كحلة في عينه، يمين بالله ما أحطه حتى ولا شبشب في رجلي قالت ذلك وهي ترفع رجلها اليمنى عن الأرض مقدار نصف متر ثم تهوي بها مرة أخرى، مكررة ذلك عدة مرات. وما أن سمعت كلامها ذاك وحركتها تلك حتى هرولت طلبا للسلامة، وأنا أردد: يا أمان الخائفين. وتقولون لي (الحب)، الله يقطعه ويقطع سنينه.