كان والدها كل يوم يرمي في البئر بسكويتا وماء لتشد بهما «لمى» جسدها الصغير المرتعد في البئر الباردة السوداء السحيقة. لمى الروقي عمرها 6 سنوات هوت عصر يوم الجمعة 20 ديسمبر 2014م في بئر بوادي الأسمر في منطقة تبوك ومن تاريخ سقوط لمى وعلى مدى أسبوعين انتشرت آلاف التفاصيل (إلكترونيا) عن الحادث ولكنها أحيانا تمثل معلومات متضاربة مشوشة لا يمكن الوثوق بها، حتى أعلنت مديرية الدفاع المدني بمنطقة تبوك في مؤتمر صحفي يوم الخميس المنصرم أنه بعد الجهود المبذولة في العمليات المخططة بإحكام للتنقيب عن الطفلة لمى تمكنوا من العثور على جثتها ودميتها فانتشلوا الدمية، وفلتت الجثة بسبب أعمال الحفر، إذ هبطت التربة فهبطت معها لمى إلى الأعمق ولم يتمكنوا من التقاطها حتى كتابة المقال. تصريح الدفاع المدني يوضح الجهود المضنية المبذولة في محاولات رفع لمى ضمن حدود إمكانياتهم ولكن للأسى وللأسف لم تستطع هذه الجهود ولا الإمكانيات الخروج بلمى إلى والديها من البئر حية ولا حتى ميتة، مما يضع المتابع للكارثة أمام معادلة لم تتحقق بسبب عدم تكافؤ النتيجة مع الجهد المبذول. إن قياس الجهد المبذول في حادثة بين الحياة والموت تحسمه الدقائق، يحرض لوقفة عند المفهوم العلمي لعملية «قياس الأداء» الذي يقارن الجهد بالنتيجة. بمعنى أن أي عمل لا تتوفر فيه شروط الإنجاز، مهما كان حجم النوايا المخلصة والجهود الشاقة المبذولة فيه، بالضرورة، سينحرف عن اتجاه الهدف ولن يحققه، وإن حدث وأصاب فهو بفعل الصدفة الناتجة عن المحاولة والخطأ. تنشط الوقفات والتساؤلات عند كل ألم ولا تملك إلا ابتلاع ألمك ووقفاتك وتساؤلاتك طاردا للمحرضات المزعجة مستدعيا للأفكار المتفائلة التالية: أكيد أن القوم يدرسون ويعدون خططا متنوعة وبديلة يتدربون على تنفيذها حتى لا يتعثروا كل مرة في خندق المفاجأة عند تلقي البلاغ بالكارثة! أكيد أن القوم يخضعون لبرامج تدريبية ميدانية مستمرة لتجدد وتصقل مهاراتهم في انتشال البشر الذين يتساقطون في كمائن الآبار والبيارات والحفر قبل أن تزهق أرواحهم! أكيد أن القوم يملكون المعدات والأجهزة التقنية الحديثة التي تخضع لصيانة دورية أو للتبديل الكلي لتكون متأهبة للاستخدام فور الاستدعاء! أكيد أن القوم لديهم اتفاقيات مبرمة مسبقا مع بيوت خبرة للاستعانة بها في الحالات التي تستعصي على إمكانياتهم! أكيد أن القوم مروا بحالات كثيرة مشابهة فوضعوا خططا وآليات تنفيذ وقائية بالتنسيق مع مراكز البلديات وتعاون الأهالي لمسح كافة المناطق التي قد تقع بها هذه المصائد البشرية ليتم ردمها أو تغطيتها أو تسويرها ووضع لوحات تحذيرية في طريقها! أكيد أن القوم وضعوا آليات تمنع الحفر العشوائي للآبار وقيدوها بنظام ومواصفات ترخيص ومتابعة وعقوبة للمخالفين! أكيد أن القوم وضعوا إعلانات توعوية في القنوات التلفزيونية للأهالي ليحموا أطفالهم من السقوط في الآبار كما يحمونهم من البلل بحفاضات «بامبي بامبي»! وأكيد أنه حينما تلتهم الآبار والبيارات والحفر أطفالنا أكيد أننا قوم لا نعيش بسلوك عصر الحجارة في ثياب القرن الواحد والعشرين!