لاشك أن حفر بئر من أجل استكشاف الزيت يعد عملاً ضخماً وحاسماً فمعظم الدراسات الجيولوجية والجيوفيزيائية تدل عادة على المناطق التي يحتمل توافر الزيت فيها، ولكن احتمال وجود الزيت فعلاً في تلك الأماكن يبقى نسبياً في حين تعتمد فرص وجوده بكميات تجارية على عدة عوامل تختلف حسب طبيعة التكوين الجيولوجي لأماكن هذه الاكتشافات. وقد يحفر عدد من الآبار قبل الوصول الى بئر منتجة يبدأ الزيت في التدفق منها بكميات تجارية. حفر الآبار.. قديماً وحديثاً وسواء أكانت الغاية من حفر البئر هي الحصول على الزيت أو الغاز أو الماء فإنها يمكن أن تحفر بطرق ثلاث وهي: الحفر اليدوي بالمعول والمجرفة البدائيين، أو الحفر بالدق، أو الحفر بما يشبه مثقب النجار، وقد استخدمت الطرق الثلاث في البحث عن الزيت. والواضح ان اكثر هذه الطرق بدائية هي الطريقة اليدوية، ورغم ان اسلوب الحفر بالدق يرجع الى اكثر من الف عام مضت، إلا أن الحفر اليدوي ظل مستخدماً في حفر آبار الزيت حتى مطلع القرن العشرين. وتعتمد طريقة الحفر بالدق اساساً على فكرة تعليق اداة حفر حادة في نهاية حبل، ثم رفعها واسقاطها في الحفرة بشكل متكرر، ويمرر الحبل فوق بكرة ويوصل بعارضة طويلة أو قضيب يعمل على الرافعة حيث يتجمع افراد من فريق الحفر للوقوف فوق العارضة مستخدمين بذلك مجموع اوزانهم من اجل رفع اداة الدق التي تشبه الوتد العملاق، ثم ينزل العاملون من فوق العارضة بشكل مفاجئ فتسقط اداة الدق في الحفرة وتضرب قاعها بقوة محدثة عمقاً اضافياً فيها. ويكرر العاملون صعودهم على العارضة ونزولهم المتزامن منها مراراً فترتفع اداة الدق مع كل صعود لهم وتهوي مع كل نزول مراراً وتكراراً. ومع تطور صناعة الآلات والأجهزة في القرن التاسع عشر زادت كفاءة تلك الطريقة المجهدة جداً وذلك باستخدام قوة البخار بدلاً من قوة الانسان في رفع اداة الحفر وقد يسر استخدام البخار استعمال ادوات حفر اثقل من سابقتها مع استخدام كابل من الصلب محمل الحبل. وعرف هذا النظام الجديد باسم طريقة الحفر بآلة الكابل، وحفرت بهذه الطريقة اول بئر في عام 1859م. ثم جاءت الخطوة التالية في طريق تطوير تقنية الحفر في العقد الاخير من القرن التاسع عشر بادخال جهاز الحفر الدوار والمزود بمثقب من الصلب متصل بسلسلة طويلة من الانابيب المعدنية (انابيب الحفر) يدور في قاع البئر. واتسمت طريقة الحفر الدوار بالسرعة الكبيرة التي تفوق سرعة الحفر بالكابلات. وقد ادى ابتكار اسلوب الحفر الدوار الى بروز تطور جديد في وسائل الحفر تمثل في ادخال المثقب ذي الرؤوس الثلاثة المدببة الذي اخترعه هوارد هيوز في عام 1909م ويتكون هذا المثقب الذي اسهم كثيراً في زيادة سرعة الحفر من ثلاثة رؤوس معدنية مخروطية الشكل مزودة بأسنان شديدة الصلابة والقوة تدور مع دوران المثقب وتنحت طريقها عبر طبقات الصخور المتتالية. على ان الحفر الدوار لم يحل محل الحفر بالكابلات بين عشية وضحاها، فقد ظلت طريقة الحفر بالكابلات مستخدمة في حفر آبار الزيت في بعض الاماكن حتى خمسينيات القرن الماضي، ومع ذلك اصبح الحفر الدوار هو الطريقة المثلى منذ عام 1930م. بئر الدمام رقم 7أول الغيث الجدير بالذكر أنه في 30ابريل من عام 1935م حفرت أول بئر للزيت في المملكة العربية السعودية باستخدام جهاز الحفر الذي يعمل بالدق. غير ان البئر الأولى، التي انتجت الزيت بكميات تجارية في المملكة، كانت بئر الدمام رقم 7في شهر مارس من العام 1938م، والتي استخدم في حفرها جهاز الحفر الدوار الذي يعمل بقوة البخار. وقد واجهت هذه البئر الكثير من الصعوبات على مدى أشهر من العمل المجهد فيها، وذلك قبل أن تبدأ بانتاج الزيت. أنابيب داعمة لتغليف جدار البئر وأياً كانت الطريقة المستخدمة في الحفر؛ سواء أكانت المعول والمجرفة او الحفر الرحوي، فإن أداة الحفر ما هي إلا عنصر واحد من العناصر الضرورية لحفر البئر، أما العنصر الثاني فهو وسيلة دعم جوانب البئر لمنعها من الانهيار. فمع بداية تطور تقنيات الحفر في القرن التاسع عشر أستخدمت أنابيب معدنية لدعم جوانب البئر، ثم حلت محلها، بعد ذلك، مجموعة من أنابيب الفولاذ التي يمكن ان توصل نهاياتها ببعضها بطريقة لولبية وتدلى في البئر أثناء عملية تعميق الحفر. ولا تقتصر الغاية من هذه الأنابيب، التي تعرف بأنابيب التغليف، على دعم جوانب البئر ومنعها من الانهيار فحسب، بل تعمل ايضاً كقنوات يخرج من خلالها فتات الحفر الى سطح الأرض. وللطين دوره الفاعل في عملية الحفر وثمة عنصر ثالث من العناصر المهمة في عملية الحفر يعرف بسائل (طين) الحفر، وهو عبارة عن ماء يضاف إليه نوعاً أو أكثر من مواد صلبة معينة مخلوطة بمواد كيميائية لاكسابها الدرجة المطلوبة من التماسك والوزن، ثم يضخ هذا الطين في مجموعة أنابيب الحفر التي تدير المثقب، ويؤدي هذا الطين غرضين الاول: تبريد وتشحيم أسنان المثقب اثناء قطعه للصخور، والثاني: حمل فئات الصخر من قاع البئر اثناء عودته إلى السطح من خلال الفراغ بين عمود الحفر وانابيب التغليف، ويستفاد من هذا الفتات والقطع الصخرية المكسرة في معرفة نوعية الصخور التي يخترقها جهاز الحفر، ويؤدي طين الحفر بالإضافة إلى ذلك، غرضاً مهماً آخر يتمثل في وزن الطين في عمود البئر والذي يعمل بمثابة سدادة أو كابح يمنع في معظم الحالات من الاندفاع المفاجئ أو التفجير، الذي قد يحدث عندما تخترق اداة الحفر تكويناً يحتوي على الغاز أو الزيت. مقاييس دقيقة لانابيب الحفر اما أنبوب الحفر نفسه، وهو العمود الطويل المجوف الذي يدير المثقب، فيجب ان يفي بمقاييس دقيقة، منها ان يكون قوياً بحيث يتحمل وزنه الكبير عندما يتدلى من جهاز الحفر، والذي يساعد على سرعة اختراق المثقف للصخور، كما ان انابيب الحفر والمثاقب تتعرض إلى كثير من العمل المجهد، فعلى سبيل المثال، لكي يتم تغيير المثقب يستلزم الأمر اخراج الانابيب من البئر وفكها ثم إعادة تركيبها وادخالها في البئر مرة اخرى، وهذا الأمر يحتاج إلى جهود كبيرة ويستغرق مدة زمنية طويلة. نقل أبراج الحفر... المهمة الشاقة مرت أجهزة الحفر بمراحل تطوير عديدة، فقد كانت في الايام الاولى لنشأة هذه الصناعة، ابراجاً بسيطة من الخشب وكان الغرض الاساس منها هو توفير ارتفاع كاف بحيث يمكن رفع أداة الحفر المتدلية من حبل أو كابل الحفر ثم تركها لتسقط في البئر ثانية، وكان ترك هذا البرج الخشبي في مكانه بعد انجاز البئر اسهل من محاولة فكه، ولربما كان ذلك وراء التصور الخاطئ الشائع عن حقول الزيت على انها غابة من أجهزة وأبراج الحفر، اما الآن فقد تطورت أجهزة الحفر إلى مجموعة متنوعة من الهياكل المصنوعة من الصلب، والتي تمتاز بامكانية نقلها من مكان إلى آخر، كما يمكنها عبور الصحراء والمحيطات. ولم يعد الهدف من أبراج الحفر توفير الارتفاع لاسقاط أداة الحفر المعلقة بالكابل، بل أصبحت وسيلة لسحب عمود الحفر من البئر ومكاناً يمكن فيه الحفاظ على الوضع العمودي لانبوب الحفر عند تغيير المثقب. وبمجرد اكتمال حفر البئر يزال جهاز الحفر مع تركيب صمام لفوهة البئر على سطح الأرض، وفي حال الحفر في المناطق البحرية تبنى وتترك منصة من الصلب والتي تخترق سطح الماء، فوق موقع البئر. أبراج الحفر في صحارى المملكة ومياهها الاقليمية وفي صحارى المملكة يوجد اليوم قرابة 127برجاً حديدياً متنقلا لحفر آبار الزيت والغاز المصاحب له، ويتم نقلها من موقع حفر إلى آخر عبر الصحارى والطرق المعبدة منها والرملية، ضمن سلسلة طويلة من الاجراءات الميدانية وعدد كبير من المعدات الثقيلة فيما يشبه القافلة من الشاحنات العملاقة التي تتجول وسط الكثبان الرملية. ومن الطبيعي ان تختلف عملية الحفر اختلافاً كبيراً من بلد إلى بلد ومن موقع إلى آخر، من حيث صعوبتها وتكلفتها والطريقة التي يجب استعمالها فيها. ولم يعد ضرورياً ان تكون الآبار عمودية، فطرق الحفر الحديثة توفر امكانية الوصول إلى جيوب الزيت عن طريق الحفر بشكل مقوس يبدأ عمودياً ثم يتخذ وضعاً أفقياً عند بلوغه طبقات المكامن. وفي أحدث طرق لهذا الحفر الأفقي والتي تستخدم في المملكة أصبح من الممكن أن يتم حفر الجزء الأخير من البئر أفقياً في عدة اتجاهات، مما يساعد على اختراق عدد أكبر من الطبقات الحاملة للزيت، مؤدياً إلى زيادة كبيرة في انتاج الزيت، وهو ما بات يعرف الآن باسم الآبار الذكية. وأما الحفر في المناطق البحرية فإنه يعد أكثر كلفة وخطورة من الحفر على اليابسة، حيث يتوجب عند القيام بأعمال الحفر البحري جلب جميع المعدات والطاقم إلى الموقع بالقوارب والسفن أو الطائرات العمودية، ويجب تركيب جهاز الحفر البحري فوق منصات فولاذية يمكن تعويمها والإبحار بها. وتنتشر المئات من آبار الزيت في المياه الاقليمية للمملكة على الخليج العربي، حيث تم حفرها بأجهزة حفر ذات روافع تمثل سيقاناً فولاذية لمنصة عائمة ممتدة فوق سطح الماء ومتكئة على تلك السيقان أو تهبط إلى الأسفل حسب ظروف الحفر وأحوال البحر. وتبقى هذه المنصة دائماً فوق سطح المياه حاملة برج الحفر حيث يعبر من وسطها عمود الحفر إلى الأسفل في اتجاه قاع البحر. لا يمكن تأكيد وجود الزيت إلا بحفر البئر الاستكشافية وعموماً تتنوع أغراض حفر آبار الزيت، فمنها ما يسمى بابار استكشافية، تحفر للحصول على معلومات أدق لوجود الزيت في موقع جديد، وبعضها الآخر تسمى آبار زيت تحديدية، تحفر لمعرفة حدود موقع معروف باحتوائه على الزيت، ومنها ما يسمى بآبار التطوير التي تحفر لتطوير الطاقة الانتاجية لحقل قائم. أما اليوم، وكما كان الحال دائماً، فماتزال البئر الاستشكافية هي الأكثر أهمية، فمن خلالها يستطيع الجيولوجيون وفنيو الحفر في أرامكو السعودية معرفة كمية الزيت المتوقع وجودها في البئر.