أعادت قضية سقوط الطفلة «لمى الروقي» في بئر إرتوازية في وادي الأسمر بمحافظة حقل في منطقة تبوك إلى السطح، وبقوة، قضية الحفر العشوائي للآبار الإرتوازية والشروط التي ينبغي توافرها في تلك الآبار ومدى متابعة الوزارة لها تنفيذاً لنظام المحافظة على مصادر المياه والمعتمد خليجياً. واللافت أن بعض الآبار تتحول إلى بؤر للموت تستقطب الضعفاء من الأطفال والشباب وربما كبار السن، دون أن تكون هناك شروط معينة تحول دون ذلك القتل الخطأ الذي يحدث نتيجة هجر تلك الآبار وعدم الوفاء بالشروط اللازمة نحوها وبخاصة على صعيد ردمها في حالة عدم استخدامها أو تأمينها حتى لا تتكرر تلك الحوادث المأسوية. ولو حسبت تكاليف انتشال الطفلة «لمى» لفاقت بعشرات المرات تكاليف تأمين تلك الآبار أو ردمها. فأين هي الوزارة ومراقبوها من تلك المسؤولية؟ ومن يبحث عن شروط حفر الآبار الإرتوازية لن يجد أي تعليمات بخصوص تأمين تلك الآبار، على الأقل في المنشور من تعليمات. إذ اهتمت الأنظمة بالنص على شروط منح الترخيص بالحفر من منطلق تأمين مصادر المياه وعدم الإخلال بالضوابط التي تمنع فناءها، ولكن لم تتطرق إلى سبل تأمينها ضد ما تمثله من خطر. وأسندت الوزارة إصدار تراخيص حفر الآبار لمديريات المياه في المناطق بخاصة الواقعة في منطقة الدرع العربي التي تتسم مياهها بالتجدد وآبارها بالضحالة حيث لا تتعدى أعماقها الخمسين متراً في الغالب، في حين تعتمد تراخيص الآبار في سائر المناطق بصورة مركزية من الوزارة بعد استيفاء البيانات والمعلومات من المديريات العامة للمياه وفروعها عن المزارع المطلوب إصدار رخص حفر لها. وتشترط الوزارة للحصول على ترخيص لحفر آبار مجموعة من الشروط منها ألا تقل مساحة الأرض التي تقع في مناطق فوق طبقات مياه رئيسية عن 50 ألف متر مربع كالمناطق الواقعة في القصيم والزلفي وضرما والمزاحمية وتبراك وغيرها، أما الأراضي الواقعة فوق طبقات مياه ثانوية فيجب ألا تقل مساحتها عن 10 آلاف متر مربع كما في مدينة الرياض و 35 ألف متر مربع كما في منطقة الخرج. وسنت الوزارة غرامات بحق من يسهمون في الإضرار بنظام المحافظة على مصادر المياه تقدر بنحو 25 ألف ريال تفرض على كل من مقاول الحفر وصاحب البئر كلٌ على حدة. وتحظر الوزارة حفر آبار إرتوازية داخل الأحياء دون إذن وترخيص من الجهات المختصة. وتسير فرقاً للتأكد من حصول أصحابها على رخص، بدعوى الحؤول ضد اختلاطها بمياه الصرف الصحي. وسبق للوزارة قبل سنوات أن اعتمدت تسهيلات لإصدار تراخيص الآبار الإرتوازية آلياً بحيث تبدأ من المديريات وفروعها بإدخال البيانات بالحاسب الآلي ليتمكن الجيولوجي بالوزارة من دراستها وإعداد المواصفات المطلوبة آلياً مثل تحديد عمق البئر واختيار الطبقة المائية المستهدفة وتعيين أطوال أنابيب التغليف المطلوب إنزالها في البئر وحجب هذه الأنابيب بالإسمنت لمنع اختلاط الطبقات المائية. ومنعت الوزارة أصحاب الأراضي الزراعية المنتجة من حفر آبار خاصة على أراضيهم في حال لجأوا إلى تفتيتها لاستخدامها كاستراحات ترفيهية، وذلك لوجودها على طبقات مياه رئيسية ما اعتبرته استنزافاً لهذه المياه بما قد يؤدي إلى نضوبها، كما حدث في عيون الخرج والأفلاج. وأشار مسؤول في وزارة المياه والكهرباء، أمس إلى أن مكاتب الوزارة ومراقبي التعديات رصدوا 130 ألف بئر مهجورة وغير مرخصة في جميع المناطق والمحافظات، مشيرا إلى أن تلك الآبار تتنوع بين إرتوازية ويدوية، كاشفا أنه يتم العمل حالياً على إكمال إجراءات البحث عن أصحابها لإلزامهم بردمها على حسابهم الخاص. وأوضح أن الآبار الواقعة في أراض حكومية أو برية ولم يتم التوصل إلى أصحابها يتم دفنها على حساب الوزارة، ضمن الخطة المستقبلية لإدارة المياه بعد اكتمال الإجراءات واعتماد الميزانية المناسبة لذلك. لكنه لم يكشف عن حجم ما ردمته الوزارة من آبار حتى الآن، وإلى متى سيطول البحث عن أصحاب الآبار المهجورة. ولم يغفل نظام الحفاظ على مصادر المياه ولائحته التنفيذية أدق التفاصيل فيما يتعلق بآليات منح التراخيص ودور الوزارة في مراقبة الآبار ومعاقبة المخالفين. وهي نصوص لا يعرف مدى تطبيقها، إذ عندما تكون هناك 130 ألف بئراً مخالفة فليس لذلك من معنى غير إهمال جهود الرقابة. ووفقاً للنظام، يفترض أن تحدد الجهة المعنية من يتحمل تكاليف إصلاح أو ردم الآبار أو حفر آبار بديلة أو التعويض بالنسبة للآبار التي ربما تؤدي إلى ذلك سواء تم حفر هذه الآبار بتصريح أو قبل تطبيق نظام تصاريح حفر الآبار، وذلك ضماناً لحماية المصادر المائية من التلوث أو الإهدار أو من التسبب في الأضرار بالصحة العامة أو بالتربة، تقوم الجهة المختصة. أما فيما يخص الآبار التي تم حفرها دون ترخيص التي ترى الجهة المختصة ضرورة ردمها أو غصلاحها فإن هذه الأعمال تتم بواسطة المالك وعلى حسابه خلال فترة محددة. وفي حالة امتناع المالك عن تنفيذ أي من الحالات السابقة فيطبق عليه نظام العقوبات الواردة في المادة (10) من هذا النظام. وتنص المادة السابعة من النظام على أنه لا يجوز حفر بئر أو إقامة سد أو أية إنشاءات مائية أو ممارسة أي نشاطات أخرى تؤثر على موارد المياه إلا بعد الحصول على الترخيص اللازم. ويُلزم مقاولو حفر الآبار بالامتناع عن حفر أي بئر لا يوجد لدى مالكها الترخيص المنصوص عليه في المادة (7) وفي حالة وجود الترخيص فإن على المقاول الالتزام بعدم مخالفة التعليمات والمواصفات المقترنة به ويكلف بإصلاح أو ردم البئر التي يحفرها خلافاً لتلك التعليمات. وتمثل الآبار أحد المصادر الأساسية لتوفير احتياجات المملكة من المياه حيث تساهم المياه الجوفية بما يزيد على 45% من إجمالي المياه المنتجة في المملكة. وقد بلغ إجمالي عدد الآبار الأهلية بنهاية 2010 نحو 133 ألفاً و 780 بئراً فيما بلغ عدد الآبار الحكومية 6872 بئراً. وتستخدم تلك الآبار في الزراعة بصفة أساسية، وبنسبة محدودة كمصدر لمياه الشرب حيث يعتمد على مياه الآبار 18% من السكان بصورة رئيسة. وتنتج المملكة ما يعادل مليار متر مكعب من المياه عبر الآبار، وسجلت كميات المياه الموزعة المستخرجة من الآبار زيادة سنوية تقدر بنحو 4.9% . وثمة مناطق تعتمد بشكل رئيس على المياه الجوفية، ومنها الرياض التي تستهلك 38.3% من إجمالي المياه الجوفية في المملكة بواقع 386 مليون متر مكعب، تليها المنطقة الشرقية بواقع 327 مليون متر مكعب ونسبة 32.5%، وتأتي القصيم في المرتبة الثالثة بنسبة 10.7% من إجمالي استهلاكها بواقع 108 ملايين متر مكعب. أما تبوك (حيث وقعت حادثة لمى) فتغطي المياه الجوفية 4.6% من احتياجاتها بواقع 46 مليون متر مكعب سنوياً. أما أكبر المناطق اعتماداً على المياه الجوفية فهي على التوالي الجوف والحدود الشمالية (98%) حائل (97%) القصيم (92.4%) الباحة (90.3%) نجران (89%) تبوك (80.4%) جازانوالشرقية (63%) الرياض (53.4%) المدينةالمنورة (15.3%) أما أقلها على الإطلاق فهي عسير (11.8%). وتنامت على نحو ملحوظ عمليات حفر الآبار في القصيموحائلوتبوك لتقفز من 372 إلى 999 بئراً في عام واحد بما يعادل ثلاثة أضعاف تقريباً. أما في الرياض فزادت من 57767 إلى 59319 في عام واحد أي بنحو 1552 بئراً. وهو رقم كبير يثير تساؤلات عن مبررات هذه الزيادة وضوابط مراقبتها. وتستخدم 83% من مياه الآبار الحكومية كمصدر لمياه الشرب. ولما كانت المياه الجوفية تشكل هذا الخيار الاستراتيجي، فقد كان يفترض أن تخضع لرقابة أشد ليس فقط لتأمين مياهها من الإهدار والعبث، وإنما أيضاً لتأمين الأرواح منها، خاصة أن كثراً من المصطافين أو هواة البر قد يفاجأون بآبار أثناء تنقلاتهم، ما يعرضهم هم وأبناؤهم للخطر. لكن هذا أمر يستدعي التساؤل وينتظر الإجابة من الوزارة. وتتننوع الآبار الحكومية بين أربعة أنواع، الأولى آبار شرب أنبوبية، ويبلغ عددها 3231 بئراً، وآبار شرب يدوية ويبلغ عددها 2452 بئراً، و آبار مراقبة وتبلغ 817 بئراً و آبار اختيارية وتبلغ 372 بئراً. ويلاحظ أن الدولة لم تتوسع على نحو كبير في حفر الآبار، حيث لا تظهر الإحصاءات الرسمية زيادات كبيرة في عدد الآبار الجديدة إذ لم يتجاوز عدد المضاف منها في عام واحد أكثر من 123 بئراً فقط. في حين تتنامى الآبار الأهلية بوتيرة أسرع. فقد زاد عددها من 131386 في 2009 إلى 133780 في 2010 ولم تتوفر معلومات أحدث عن أعدادها. والسؤال الآن، لماذا لم تصدر وزارة المياه عقوبات بشأن صاحب البئر التي ابتلعت الطفلة «لمى» وغيرها من الآبار التي تُعرِّض أرواح الناس للخطر، وهل أجريت تحقيقات لمعرفته أو تتبعه، خاصة أن اللائحة التنفيذية للنظام تشترط أن يتم تسجيل مقاولي الحفر لدى الجهة المختصة بعد تقديم الشهادات واستكمال الإجراءات اللازمة خلال ثلاثة أشهر من تاريخ صدور هذه اللائحة. ووفقاً للمادة 17 من الباب الثالث للائحة التنفيذية للنظام، يحق للجهة المختصة إقفال البئر/ الآبار أو ردمها عندما يتبين أن هذه البئر/ الآبار غير منفذة حسب المواصفات الفنية، أو أن وجودها يسبب ضرراً على المصلحة العامة، وعلى حساب من تحدده الجهة المختصة. كما تنص المادة 26 من الباب الخامس من اللائحة على أن يتولى الوزير المختص أو من يفوضه بذلك إصدار العقوبات اللازمة على مرتكبي المخالفات بقرار ذي صيغة موحدة يتم إعداده من قبل الجهة المختصة يتضمن اسم المخالف ونوع المخالفة ومكان وقوعها واسم الشخص الذي حرر المخالفة وتاريخ المخالفة.