أحرص في مقالاتي على أن أتجنب الحديث عن أي تجربة شخصية، خصوصا إذا كانت هذه التجربة تنطلق من باب «يحدث في أوروبا وفي الدول المتقدمة»، ذلك أني أرى أن ما قد مر بي من تجربة مر مثلها على كثير غيري، على نحو يجعل من الحديث عنها مجرد ضرب من تباهي المرء بأنه صاحب تجربة حتى لو كانت تلك التجربة لا تتجاوز زيارة مستشفى. ورغم ذلك، فإني لم أتمالك نفسي من استعادة تجربة خاصة أردت أن أشرك معي فيها قارئ هذا المقال؛ لكي يشعر بالمرارة التي شعرت بها عند المقارنة بين ما يحصل في كثير من مستشفياتنا ومستشفيات «أوروبا والدول المتقدمة». تذكرت تلك التجربة حين قرأت ما جاء في مقال الزميل خالد السليمان عن تلك الفتاة التي نقلها الهلال الأحمر إلى أحد المستشفيات الخاصة مصابة بكسر في عمودها الفقري، فظلت مهملة في غرفة الطوارئ أربع ساعات بانتظار أحد من أفراد أسرتها؛ كي يدفع قيمة الكشف عليها قبل أن يتخذ المستشفى أي خطوة لفحصها أو علاجها. تذكرت يوم أن نقلتني ابنتي منتصف الليل إلى مستشفى جورج بومبيدو في باريس، وقد داهمتني آلام الحصوة التي كنت أعاني منها آنذاك، حين وصلت المستشفى تذكرت أني لم أحمل معي جواز سفري، كما لم أحمل معي نقودا أو بطاقة ائتمان، قالت لي ابنتي: لن يسألوك عن شيء. في الاستقبال اكتفوا باسم ابنتي وعنوانها في باريس، في الوقت الذي شرعوا فيه بإجراء الفحوصات والأشعة لي وإعطائي مسكنا للألم، أكدوا علي ضرورة إجراء عملية لإزالة الحصوة، وحين أخبرتهم أني مسافر بعد يومين صرفوا لي مجموعة من الأدوية والمسكنات مع التأكيد على ضرورة إجراء العملية. حين كنت أغادر المستشفى سألت ابنتي عما دفعته للمستشفى، فأخبرتني أنها لم تدفع شيئا، وحين لاحظت دهشتي أخبرتني أنهم سوف يبعثون إلى عنوانها بالفاتورة لاحقا. بعد مرور شهر، أخبرتني ابنتي أنها تلقت الفاتورة التي لم تتجاوز المائة يورو مع إشعار أن بإمكانها تسديدها خلال شهرين من استلامها. استعدت تلك التجربة، وقارنتها بتجربة تلك الفتاة مكسورة العمود الفقري التي بقيت مهملة دون علاج ساعات طويلة بانتظار وصول من سيدفع فاتورة علاجها، قارنت بيننا وبين «أوروبا والدول المتقدمة»، فأدركت أننا نحتاج قرونا من الزمن كي نعرف نحن قيمة الإنسان هنا كما يعرفونها هم هناك. [email protected]