يفترض أن كل مرحلة زمنية تتميز عن المرحلة التي سبقتها على مستوى كافة المجالات، إذا ما تحققت الاستفادة من إيجابيات مخرجات المرحلة السابقة، واتخاذها كجزء لا يتجزأ من مدخلات المرحلة الحالية أو الراهنة، يضاف إليه ما تحظى به المرحلة الراهنة من إمكانات وطفرة معرفية وتقنية، مما يرجح كفة هذه المرحلة على مستوى هذه المعطيات. إلا أن كل هذه المعطيات قد تستطيع منح هذه المرحلة الكثير من التطور والتقدم والتفوق في أي مجال من المجالات، باستثناء المجالات التي تعتمد على المواهب والملكات «المطبوعة» ومن بينها المجال الفني «الأصيل وغير المبتذل، و ...». فكل الإمكانات مهما بلغت وتنوعت ووظفت لم ولن تنبت المواهب الأصيلة والمفضية للإبداع الذي يشكل رافدا وجزءا لا يتجزأ من حضارة أي مجتمع. وأي مرحلة زمنية تصاب «بالعقم» في هذا الجانب، لن يكون في وسع الإمكانات المادية ولا الطفرة العلمية ولا إعجازات التقنية أن تتغلب عليه ما لم تتوفر «بذرته» التي هي هبة من الوهاب عز وجل. ومهما سخرت وطوعت الإمكانات والتقنيات في تزييف وتصنيع وتلميع «مواهب استهلاكية» إما لتعويض «خواء هذه المرحلة من جوهر الفن» أو لمعايير «فنون أخرى» لن تجد في مخرجات أي مرحلة يقدم فيها هذا «المسخ» والعري والتفسخ والخلط والاختلاط والابتذال وآخرها «لجان من بينها منهم من أبشع الأصوات، ومن لا علاقة لهم بالصوت»، لتنتقي «أحلى الأصوات»!!!، أي مرحلة تبتلى مخرجاتها في أي جزء منها بهذا الاقتراف والارتزاق باسم الفن، كيف لها أن تقبل بشيء من هذا «الهباب» يليق بها توثيقه فيما يرحل للمرحلة التي تليها ؟!!. بينما ظل وسيستمر ما قدم ووثق وأفاد وأثرى وشرف هذا المجال بفن ينبذ العفن منذ مراحل زمنية خلت، وخلت من كل المعطيات التقنية والمادية. لكنها تفردت بعمالقة فن وإبداع الذين «اختشوا وترفعوا وسموا»، رحلوا وخلد فنهم وأصالتهم، وأما من بقي في هذه المرحلة من نوعيتهم فآثروا ترك الساحة بعد أن أضحت تئن بكل ما كان عيبا وتموج بما كان خادشا وتفيض بالقهقهات وتلاصق الحابل بالنابل، ثم نسأل عن ما آل إليه الحال من تمزق وشتات.. والطف يا لطيف.. والله من وراء القصد. تأمل: رب عاجل لذة، قد أعقبها طول حسرة.