عبرا الإشارة الأخيرة، والإسفلت المتعطش يتشرب أضواء السيارات، وثمة خيط من النور معلق بأرجاء الظلام الذي يهمي بتوتر على سقوف الأبنية. يزداد السير حثيثا على صخب الموسيقى كلما عرجت في الفضاء. تلتوي عنق الطريق إلى الزوايا الشاسعة، زوايا تشرع عن صدر للفراغ حيث تبدو نسمات المساء أنقى وأهدأ، سوى من جنون يباغت اللحظة المبتسرة من سويعات اليوم.. رمقها وقد أخذت موضع الاستراحة وعطرها لا يكف عن مناشدة الحوار المفضي للوطن المنشود وفوضوية شعرها تبسط مزيدا من السواد.. أدار الصوت موضع الانخفاض وابتدأ حديثا كأنما ينقش بعناية على أوتار عازفة فيغدو بروازا يسطر على مقامات الريح. بادرها: - كم من الضوء استدبرنا ؟! وقعر المرآة ينثر على عينيه بقعا صارخة مكنتها من سبر السؤال، فأشارت إلى نورس وحيد، فر من ضجيج الشواطئ، يسدل جناحيه غافيا على مفرق نخلة هرمة.. أجابت: - بقدر الإغفاءة! تبسم.. ومضيا يشقان للبوح دربا بين الستر.. وينسجان خيطا نافرا كأنما يصعد على سفح عصي. كان السور القابع على ميمنة الطريق يتقطع إيذانا بانتهاء الطريق، وانسحابات الضوء تشير بابتداء مسافات هاجعة، مسافات متصلة بذات اللون.. شكلتها نجوم خافتة لتمارس عليها نصيبا من الخدر الشهي. لهذا الحد وقفا يقرئان الظلام سلاما حملاه من أجداث الأسمنت، وشيئا من التوق انتزعاه من أفواه النوافذ التي جففها لهيب الشمس، وقبلة ظلت مضمومة لا تحار الوجوه.. تتنقل أنى يحل الظلام !