مشنوق جسدها الملقى على أطراف السرير بخيوط السهر الطويلة، وباب غرفتها الأبيض الذي اكتسى لونه الرمادي بفعل الغروب، ضوء أصفر يطل خلف الباب الموارب. خيوط الضوء تحاول بوهن أن تقتحم لأبعد من حدود الظلام المتجذر بألم في زوايا غرفتها المستطيلة، لكنها تموت بيد الظلام بعد أن تستسلم كجسد عربية مشظّى بالرصاص تتساقط كالمطر خطواتها نحو الناقوس الأصفر بخيطه الشفاف. تقرع بأناملها المرتعشة لتوقف وشوشاتهم، تحاول أن تمسك الخيط، لكنه يغيب بين الشفافية والحلم، يتضاعف الأصفر وينمو، تحمل بين ذراعيها قدح ماء غمره الأصفر وذاب به، تتجول به كل مساء لتحمي رئتي الهواء تبحث عن الناقوس من جديد لتقرع صمته اللآمرئي، ولكنه يغيب ويزحف للهروب المعتاد، ستذهب المبالغ التي يجنونها من زوبعة التلوث في شراء الأدوية، تحاول إخبارهم وأناملها النحيلة لا تستطيع أن تلامس لا مرئية الناقوس، تزحف المدينة.. تزحف.. تزحف نحو النقاء، وتجر خلف ذيلها مدن أخرى من التلوث، تبقى بضع اكسوجينات هاربة دوما على أطراف المدينة والأصفر ينفث دخانه في زوايا المعمورة، ويغمر فضائها المسقوف فيحول كل أبيض إلى أصفر... المطر أصفر... الشمس صفراء... والأصفر تضاعف حجمه كثيراً وأصبح مخيفا؛ اقتربت من الناقوس حينما تساقط الأصفر على جسدها، وأمسكت أناملها خيطه الشفاف، قرعته بشده، تستوطن شفتيها حقيقة الأصفر وأصواتهم تتعالى أكثر فأكثر حتى اصغوا لصوت الناقوس، أخبرتهم بهمس شفتيها عن الأصفر، تحدثت كثيرا، والناس من حولها يتحدثون، توقفت بعد أن ازدادت أصواتهم ارتفاعا، قرعت الناقوس لكن قدرتها على النطق تلاشت مبكراً...