أكد رئيس الحكومة العراقية السابق إياد علاوي رئيس الكتلة العراقية، على أن سياسة إيران الخارجية مبنية على التوسع والتدخل والهيمنة، مشيرا في حديث ل «عكاظ» إلى أن خلاص العراق لا يكون إلا عبر خارطة طريق تتلخص في إصلاح العملية السياسية أولا وإخراجها من الخندق الطائفي السياسي. وحمل علاوي كلا من إيران ونوري المالكي رئيس الوزراء الحالي مسؤولية ما يمر به العراق من أزمات وفوضى، محذرا من سطوة إيران على القرارات الاستراتيجية في سورية والعراقولبنان وكذلك فلسطين. وأقر بوجود ميليشيات من العراق تم دفعهم للقتال في سورية، مشيرا إلى أن هذا الوضع غير سار على الإطلاق، إلا أنه قال: ليس لي شكوك في أن دولا منها إيران ومنظمات مؤثرة قد دفعت هذه الميليشيات للتدخل في الشأن السوري الداخلي، ولإراقة مزيد من دماء أشقائنا السوريين، ودولنا كلها يجب ألا تكون مسرحا للصراعات الإقليمية.. وفيما يلي وقائع الحوار: • ما هي رؤيتكم لتحجيم الدور الإيراني في العراق وسورية؟ للأسف تجاوزت إيران كل حدود الجغرافيا والتاريخ والأعراف الدولية وشروط الجيرة، وأخذت توسع نفوذها ليس في العراق وسورية فحسب وإنما في كل المنطقة العربية والإسلامية وحتى أفريقيا، واستحوذت على القرارات الاستراتيجية في كل من العراق وسورية وإلى حد كبير لبنان وأنهكت وآذت المسألة الفلسطينية، واستولت على جزر عربية لدولة الإمارات العربية المتحدة. كان لي مواقف طيبة مع إيران ومنها عندما بادرت شخصيا إلى الدعوة لمؤتمر لكل دول الجوار العراقي على صعيد وزراء الخارجية، تحت إشراف الأممالمتحدة وبحضور الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن وجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي ومجلس التعاون الخليجي، واستضاف هذا المؤتمر في شرم الشيخ الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك مشكورا، وقبل الإعلان عن المؤتمر طلبت من السيد عبدالعزيز الحكيم السفر إلى إيران والتأكيد على ضرورة حضور إيران المؤتمر والمشاركة الفاعلة. وكذلك تحدثت مع الرئيس الأمريكي جورج بوش، وكذلك مع وزير خارجيته كولن باول عن ضرورة وجود إيران وسورية وعسى أن يساهم ذلك بفتح صفحة جديدة من التفاهمات وكان السيد باول متفهما أكثر من الرئيس بوش، وللتاريخ أذكر أن الرئيس مبارك اقترح علي مجموعة اقتراحات عملية جدا، تم إقرار معظمها في شرم الشيخ حيث كان التمثيل على مستوى وزراء الخارجية عدا حضور رئيس الدولة المضيف، مفتتحا المؤتمر مع كوفي عنان الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك. ومن تلك القرارات المهمة التي خرجت من المؤتمر، دعم المصالحة الوطنية في العراق وتكليف الجامعة العربية بالإعداد والمساعدة لهذا الأمر، وكذلك تم إقرار تشكيل لجان مع بعض البلدان المجاورة للعراق وتحديدا سورية وتركياوإيران على أن تشارك ولربما الأممالمتحدة إن دعت الحاجة والولايات المتحدة في هذه اللجان، وفعلا ابتدأنا مع سورية وأرسلت رسالة إلى الرئيس بشار الأسد حملها السيد فلاح النقيب كوزير للداخلية في العراق حينها، وتم إعداد لجنة من وزيري داخلية البلدين والقائد الأمريكي للقوات المتعددة الجنسية في العراق وحققت مجموعة اجتماعات، كما جرى إعداد لجنة مشابهة مع تركيا وكان الرأي متجها لتشكيل لجنة مع إيران التي لم تتحقق، لكن للأسف لم تحصل متابعة من الحكومات التي جاءت بعدي للمضي في هذا المشروع وبكامله قدما، والذي كنا أنا والرئيس مبارك وقادة المنطقة والعالم مع هذا الاتجاه على اعتبار أنه سيضع النقاط على الحروف وكذلك الأرضية المناسبة لتوازن إقليمي يضم من جملة ما يضم إيران وسورية، يقوم على عدم التدخل في الشؤون الداخلية واحترام السيادة والتوازن والتكامل في المصالح. • كيف كان التفاعل العربي لهذا المؤتمر؟ لا أذيع سرا إن قلت إن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز (كان حينها وليا للعهد)، وقادة الإمارات العربية المتحدة الشيخ الكويت، كانوا من المتحمسين جدا لهذا المؤتمر ومع هذا فإن إيران ولشديد الأسف كانت رؤيتها عكس ذلك، وإنما مبنية على التوسع والتدخل والهيمنة التي رفضتها تماما، مما وضعها في موقف معاد لي وها هي اليوم ونتيجة الضغوط وعدم قدرتها وقدرة نظامها وتراجع نفوذها تبحث عن مخرج من مشكلتها، ولكن وبالمقابل الإشارات التي تدل على الاستعداء للانفتاح والمرونة التي تأتي من إيران الآن لا بد أن تواجه بالقبول ونقيس ما يحصل على أرض الواقع. خارطة الطريق • ما هي خارطة الطريق التي ترونها لإخراج العراق من المحنة التي يعيشها؟ هناك أهداف أساسية لخارطة طريق تتلخص في إصلاح العملية السياسية أولا وإخراجها من التخندق الطائفي السياسي والجهوي وجعلها لكل العراقيين من دون استثناء عدا من تلطخت أيديهم بدماء الشعب وإبعاد النفوذ الإيراني وغيره عنها، وثانيا في بناء دولة المؤسسات الناجزة المدنية على أسس وطنية مدنية ومحترفة وتحقيق الدولة المدنية التي تقوم على العدل والمساواة وسيادة القانون. هذه الأهداف ستنقذ العراق وستساعد المنطقة أيضا على خروجها من مشكلات خطيرة تعصف بها حاليا ولتحقيق هذه الأهداف (أهداف الخارطة السياسية) لابد من آليات مهمة وواضحة ومحددة ولربما الحديث عن هذه الآليات يطول ولكنها واضحة في ذهننا وممكنة خاصة في ضوء إخفاقات الإسلام السياسي والمسيس، وبإخفاقات القوى التي تؤمن بالطائفية السياسية سواء كانت إسلامية مسيسة أو غير إسلامية مسيسة هذه الإخفاقات أدت إلى تحرك لشعب مصر العزيز بقوة ووضوح وبإذن الله سيوثق ذلك في الانتخابات القادمة في مصر، وأما في العراق فقد دمرت التوجهات الطائفية السياسية لحمة المجتمع الذي أصبح رافضا لها، إلا من مجاميع هنا وهناك تتحرك وفق دوافع طائفية سياسية إن كانت من قبل بعض الشيعة أو بعض السنة، لكني أرى أن هناك استهدافاً واسعا لسنة العراق لشديد الأسف. • ننتقل إلى الملف السوري.. هناك إثباتات كثيرة على وجود ميليشيات شيعية عراقية تقاتل إلى جانب نظام الأسد. ما هي التداعيات لهذه الحالة على العراق وشبح الفتنة الطائفية؟ نعم للأسف المعركة في سورية هي معركة كل الشعب السوري ضد حكامه، وقد حذرت الرئيس الأسد من خطورة تدخلاته في شأن لبنان الداخلي وانعكاسات ذلك في سورية قبيل الأحداث بعشرة أيام أو أقل، كما طرحت عليه مبادرة في الأشهر الأولى لبدء التظاهرات السلمية ترتبط بقيادته هو لعملية الإصلاح السياسي والاستجابة لمطالب الجماهير، وكان المقترح مكونا من خمس نقاط، تحدثنا إلى مكتب الرئيس الأسد وحددنا موعدا وطلبت من وزير الاتصالات حينها محمد علاوي وهو ابن عم لي (قبل ان يستقيل من حكومة بغداد احتجاجاً على سلوك رئيسها) برسالة شفهية بالنقاط الخمس إلى الرئيس بشار لكنه رفضها للأسف. نعم هناك ميليشيات من الشيعة تم دفعهم للقتال في سورية، وهذا وضع غير سار على الإطلاق وليس لي شكوك من أن دولا منها إيران ومنظمات مؤثرة قد دفعت هذه الميليشيات للتدخل في الشأن السوري الداخلي، ولإراقة مزيد من دماء أشقائنا السوريين، ودولنا كلها يجب ألا تكون مسرحا للصراعات الإقليمية والدولية أو للاحتراب ما بين التطرف والاعتدال، فلشعبنا في سورية مطالب مشروعة عبر عنها شعب سورية الكريم سلمياً لكنها جوبهت بهجمة شرسة وقاتلة. تقسيم العراق • هل تخشى على العراق من التقسيم مع تصاعد الحديث عن دولة كردية؟ كلا والقادة الكرد يؤكدون دائماً أن هذه الفكرة ليست في النية وأنا أثق بكلام الأخ مسعود البارزاني. لكن الوضع في العراق خطير جداً ومتجه إلى التطهير المذهبي وتصعيد النهج الطائفي السياسي، وما لم يتم إنجاز إصلاح للعملية السياسية وإصلاح النهج الحكومي وفق قواعد الشراكة الوطنية الكاملة وكما أشرت، فكل شيء معرض للتغيير. • من يتحمل مسؤولية ما وصل إليه العراق وهل تعتقد أن للمالكي وجودا في عراق المستقبل؟ بالتأكيد إن ما وصل إليه الوضع المؤسف والمحزن والخطير في العراق يتحمل المسؤولية عنه ما تقوم به الحكومة برئاسة المالكي وعلى الصعيد الخارجي، فحكومة إيران تتحمل الكثير مما وصل إليه العراق وأمريكا هي الأخرى تتحمل جزءا واسعا من المسؤولية منذ احتلالها للعراق والخطايا التي ارتكبت في العراق حينها بحل وتفكيك مؤسسات الدولة العراقية. • كيف تقرأ الدور السعودي عربيا ودوليا؟ المملكة وقفت مع قوى الشعب العراقي ومع المعارضة العراقية داعمة لها سياسيا وإعلاميا ودعمت العراق وشعبه، ولا أذيع سرا إن قلت إن المملكة مع دول إسلامية وعربية أخرى كان لها رأي مهم وهو استبدال القوات المتعددة الجنسيات بقوات إسلامية (لكن ليس من دول الجوار العراقي) لكننا اصطدمنا بالرأي الأمريكي حينها من أن لابد أن يكون قائد القوات أمريكيا وليس من الدول الإسلامية التي ستشارك وبهذا أجهض هذا التوجه للأسف، ولي اتصالاتي مع بعض قادة الدول الإسلامية والعربية من غير الجوار وكانوا يرون بذلك حكمة وعلى استعداد للمساهمة في مقدمتهم الملك حمد بن عيسى ملك البحرين، الرئيس الباكستاني، وآخرون من قادة الدول الإسلامية من الذين تكلمت معهم أو أرسلت لهم رسائل وأبدى عاهل المغرب حفظه الله جلالة الملك محمد السادس استعداده مشكوراً لتدريب القدرات العراقية كمساهمة منه في هذا الجهد النبيل. الربيع العربي • إلى أين يتجه العالم العربي في ظل ما يسمى بالربيع العربي؟ لا شك من أن هناك رفضا ومرارة من ما حصل للعرب، فابتداء من القضية الفلسطينية واستمرارها معلقة من دون حل، وإلى الاعتداءات التي حصلت وتحصل ضد الدول العربية سواء من بعض القوى الإقليمية أو بسبب تصرفات قوى كبرى في العالم لا تفهم أو لا تريد أن تفهم الأبعاد السياسية والاجتماعية والاقتصادية في الدول العربية، فضلا عن تراجع مستويات الحريات العامة وحقوق المواطنة وحقوق الإنسان وارتفاع مستويات الفقر والبطالة والفساد المالي والإداري المستشري في بعض الدول العربية، كل ذلك وضع جزءا من الشعوب العربية فريسة للاستثمار والاستغلال والتدخل القبيح من قبل مطلقي الشعارات الفضفاضة بكلمات حق يراد بها باطل، وبدعم مالي لجهات محددة. لقد تفاعلت العوامل الداخلية مع عوامل أخرى خارجية لتصعيد التظاهرات والاجتماعات والتي لم تشهد لها شعوبنا العربية تجارب مشابهة في التاريخ العربي المعاصر ولكن سرعان ما أخذ يتميز الخط الأبيض من الخط الأسود فيما سمي بالربيع العربي وانتقل من شكله العفوي للجماهير إلى عمل منظم لتخريب المنطقة والاستحواذ عليها وتقسيم شعوبها ونشوء أنظمة شمولية تحت مسمى الديمقراطية بشكلها المشوهة الذي لا يمت بصلة إلى من هو مؤمن في بناء الدولة المدنية التي تقوم على العدل والمساواة وسيادة القانون، لكننا نرى أن الشعوب العربية الكريمة استفاقت، على خطورة ما يبيت ضدها وأخذت تتحرك ضد الإرادات الخطيرة لمن يريد الإيقاع بهذه الدول وأخذت تصحح مساراتها في نفس البلدان التي حصل فيها ما سمي ربيعاً بعض من عملية التصحيح التي تحصل الآن في طريقها إلى النضوج (مصر مثلاً وفي بلدان أخرى في طريقها إلى الانتصار بإذن الله وأنا واثق من أن شعبنا العربي الكريم سينتصر بالنهاية، ولابد أن يسجل التاريخ هنا باعتزاز موقف الأردن والمغرب ومنظومة دول الخليج العربي والجزائر وعلى هذه الدول أن تعمل مع بعضها البعض بقوة ومع القوى العربية الوطنية قبل أن يسري اللهب الخبيث إلى كل دول المنطقة باسم الربيع أو الخريف.