تفد إلى المملكة في هذه الأيام أفواج الحجيج عبر وسائل النقل الحديثة، ومنذ لحظة وصولهم إلى موانئ القدوم فإن الجهات المختصة بتسهيل أمور الحجاج تستقبلهم وتوفر لهم كل أسباب الراحة حتى يؤدوا نسكهم في سهولة ويسر، حيث إن هناك أساطيل لتنقلات الحجاج بين مكةالمكرمة والمدينة المنورة والمشاعر المقدسة، فضلا عن قطار الحرمين الذي يعد وسيلة حديثة لتنقلات ضيوف الرحمن. يشار إلى أن الطرق التي كان يسلكها الحجاج قديما اندثرت واختفت معالمها ولم يتبق منها سوى بعض الشواهد التي صمدت حتى الآن، ومنذ أن فرض الله الحج على المسلمين في بداية الإسلام وقلوبهم مشدودة إلى المسجد الحرام، وظلت الركاب تجوب الأرض وتفد إلى مكةالمكرمة من كل صوب، حيث نشأت العديد من الطرق والتي تنوعت منافعها من ثقافية واجتماعية وتجارية، فازدهرت هذه الطرق بالعديد من القرى التي كانت تستقبل الحجيج، ومر على هذا الحركة السنوية أكثر من 14 قرنا، حيث نشأت قرابة 7 طرق تنقل الحجاج من أرجاء العالم صوب مكةالمكرمة وكانت أولى خطوات المسلمين والتي بدأت عام 13 – 23 ه في عهد عمر بن الخطاب رضى الله عنه حيث بدأ بإنشاء محطات على طريق مكة والمدينة وبعدها توالى إنشاء الطرق، وأهم تلك الطرق هو الطريق الذي سمي باسم زوجة هارون الرشيد «درب زبيدة» الذي يبدأ من الكوفة وينتهي بمكة. ويعد هذا الطريق من أهم طرق الحج والتجارة خلال العصر الإسلامي، وقد نسب إلى السيدة زبيدة زوج الخليفة هارون الرشيد، التي أسهمت في عمارته فكان أن خلد ذكرها على مر العصور. وقد استخدم هذا الطريق بعد فتح العراق وانتشار الإسلام في المشرق، وأصبح استخدامة منتظما وميسورا بدرجة كبيرة، إذ تحولت مراكز المياه وأماكن الرعي والتعدين الواقعة عليه إلى محطات رئيسية. وفي العصر العباسي، أصبحت الطريق حلقة اتصال مهمة بين بغداد والحرمين الشريفين وبقية أنحاء الجزيرة العربية. وقد اهتم الخلفاء العباسيون بهذا الطريق وزودوه بالمنافع والمرافق المتعددة، كبناء أحواض المياه وحفر الآبار وإنشاء البرك وإقامة المنارات وغير ذلك. وتذكر المصادر التاريخية والجغرافية والآثار الباقية أن مسار هذا الطريق خطط بطريقة عملية وهندسية متميزة، حيث أقيمت على امتداده المحطات والمنازل والاستراحات، ورصفت أرضيته بالحجارة في المناطق الرملية والموحلة، فضلاً عن تزويده بالمنافع والمرافق اللازمة من آبار وبرك وسدود، كما أقيمت علية علامات ومنارات ومشاعل ومواقد توضح مساره، ليهتدي بها المسافرون.