اطلعت على ما تحدث به الصديق العزيز عبدالواحد موسى المسلم، حول خالته ملوك الماحوزي رحمها الله التي وافتها المنية يوم الخميس 1 شوال 1434ه الموافق 8 أغسطس 2013م. وقد وجدت أن مثار الحديث هي مسألة انتساب ملوك الماحوزي إلى ابنة أختها بي نظير بوتو.. هذه المسألة على ما يبدو استفزت الأخ عبد الواحد المسلم، فأثار تباعا النقاط الأخرى التي تضمنها حديثه. لا شك أن عبدالواحد هو الأقرب إلى الفقيدة من أي شخص آخر.. لكن رغم ذلك، فإن لدي تحفظا حول بعض ما قيل في الحديث، الذي قد يكون فيه شيء من المبالغة.. وليكن مفهوما سلفا أن ما سأقوله لن ينتقص من شأن الفقيدة وشخصيتها أو مكانتها الاجتماعية. فما أسمعه عن الفقيدة من بعض اللواتي عرفنها وعشن في محيطها، أنها كانت امرأة فاضلة، مهتمة بأمور دينها وشعائره.. أما اهتمامها ومعرفتها بالسياسة فقد كان ضئيلا، فقد اكتسبت تلك المعرفة البسيطة بحكم علاقتها بأختها نصرت بوتو، ورحلاتها خلال بعض فترات حياتها.. ولا أعتقد أن معرفتها السياسية كانت تصل إلى المستوى الفكري والثقافي والسياسي الذي يؤهلها للخوض في الأمور السياسية، وأن تختلف مع بي نظير بوتو بسبب مواقف سياسية. الأمر مختلف بالنسبة لأختها نصرت بوتو، والبون شاسع بين الأختين.. فنصرت كانت عضوا في البرلمان الباكستاني لسنين عديدة.. كما تقلدت منصبا وزاريا في فترة من الفترات. إذن، فانتقاد الخالة ملوك لابنة أختها بي نظير، كان متعلقا بخلافات عائلية، وهو ما أشار إليه عبدالواحد عن موقف بي نظير من أخويها.. كما فهمت منه، أن العلاقة كانت قد ساءت بين بي نظير ووالدتها نصرت بسبب موقفها السلبي من اغتيال أخيها، وأن المرحومة ملوك كانت بطبيعة الحال تقف إلى جانب أختها نصرت. أعود إلى صلب الموضوع. مسألة انتساب ملوك الماحوزي إلى ابنة أختها بي نظير بوتو. ما خطر ببالي هو أن الجدل المثار حول المرحومة ملوك لم يكن ليحدث لولا صلة النسب بينها وبين ابنة أختها بي نظير.. لولا هذا النسب لما أثير هذا النقاش.. ولما كان هناك اهتمام صحفي بالموضوع أصلا.. ولما سمع أحد باسم ملوك الماحوزي من خارج مدينة القطيف، سوى أولئك المحيطين بها من أقاربها والقاطنين في محيطها. عندما يتسنم أحد منصبا هاما، أو أن يكون له شأن مرموق في أي مجال وظيفي، فكري، ثقافي، سياسي..إلخ.. يتحدث عنه الآخرون، فسيكون ذلك مدعاة فخر واعتزاز لأفراد أسرته، خصوصا في المجتمعات المتمسكة بالعلاقات الأسرية والعشائرية، وتسيطر عليها ثقافة القبيلة. فالقول إذن بأن اهتمام الآخرين بنسب ملوك الماحوزي إلى ابنة أختها بي نظير بوتو يقلل من شأنها، هو قول ينافي المنظق.. بل على العكس.. فإن ذلك النسب هو موضع فخر واعتزاز للفقيدة، مثلما هو فخر واعتزاز لها أن تكون هي خالة الراحل الشاعر، الأديب، المؤرخ محمد سعيد المسلم. وهكذا، نرى أن الإلحاح على أن تنسب بي نظير إلى خالتها ليس له أساس منطقي.. صحيح، إننا في النسب العائلي قد نقول إن بي نظير بوتو هي ابنة أخت ملوك الماحوزي.. لكننا نستطيع أيضا أن ننسب ملوك الماحوزي إلى ابنة أختها بي نظير بوتو.. هذا الانتساب الأخير السائد حاليا هو المنطقي في موضوعنا هذا.. لماذا؟. لأن بي نظير بوتو هي التي درست أكاديميا، وتثقفت، وتمرست في السياسة.. وهو ما لم تستطع خالتها ملوك أن تحققه، بسبب الظروف الاجتماعية، والحياة التي عاشتها كل منهما. ف«الخالة» ملوك هي ابنة الشيخ محمد الماحوزي.. أي أن والدها رجل دين، وكذا أقاربها من رجال الدين.. أي أنها نشأت في كنف بيئة دينية، إلى جانب اقترانها بزوج من نفس البيئة الاجتماعية المنغلقة.. تلك البيئة الدينية والاجتماعية المنغلقة لم تستطع أن توفر ل«الخالة» ملوك حتى التعليم المدرسي النظامي في مراحله الأولى الذي لم يكن متاحا حينذاك في القطيف.. فكان نصيبها أن تعلم القرآن، مثلها مثل الكثيرات ممن كن يعلمن القرآن في كتاتيبهن.. يضاف إلى ذلك براعتها في خياطة العباءات. بينما اقترنت أختها نصرت برجل سياسي ذائع الصيت، معروف على الساحة الدولية، كان له الشأن الأكبر في بلاده، هو ذو الفقار علي بوتو.. حيث أنجبت نصرت، ضمن من أنجبت، ابنتها بي نظير، التي وفرت لها عائلتها التعليم الأكاديمي وكل أسباب المعرفة الثقافية والفكرية.. بل إن بي نظير تعلمت من والدها ألاعيب السياسة، فأصبحت تلعب في الساحة السياسية كلاعب سيرك محترف، ووصلت إلى ما وصلت إليه، فتسنمت أعلى مناصب الدولة الباكستانية، وأضحت شخصية عالمية مرموقة. بقيت نقطة أخيرة، هي مسألة هجرة نصرت بوتو إلى دبي.. حيث أشار عبدالواحد المسلم إلى أن تلك الهجرة كانت بسبب خلافاتها مع ابنتها بي نظير.. كما أشار إلى أن الأم كانت زاهدة في المناصب.. أعتقد أن هذا القول يحتاج إلى شيء من التمحيص: فكما سبقت الإشارة إلى أن نصرت بوتو كانت عضوا في البرلمان الباكستاني لسنين عديدة. كما تقلدت منصبا وزاريا.. وقد هاجرت إلى دبي بعد أن ساءت الأوضاع في باكستان، وأصبح الحكم عسكريا، وعانت عائلة بوتو من مضايقات وعنت فترة حكم ضياء الحق.. كذلك بي نظير كانت إقامتها موزعة بين لندنودبي.. وبالتالي لا يمكن من وجهة نظري الشخصية أن تكون الخلافات السياسية بين الاثنتين سببا وجيها للهجرة إلى دبي.. فالأرجح كما سبقت الإشارة أن الخلاف كان عائليا بسبب موقف بي نظير من أخويها. أما الأخ عبدالواحد المسلم في حديثي معه حول موضوع الهجرة فيقول إن هجرة نصرت بوتو إلى دبي إنما جاءت على خلفية اغتيال ابنها، واستيائها من الموقف السلبي لابنتها بي نظير من اغتيال أخيها. هذا بالطبع لا ينفي مسألة أن تكون هناك خلافات سياسية بين الأم نصرت وابنتها بي نظير.. كثيرون هم الذين كانوا ينتقدون مواقف بي نظير السياسية، لاسيما بعد اقترانها بزوجها آصف زرداري. عموما، مهما تكن الانتقادات السياسية التي وجهت إلى بي نظير، وذلك شيء طبيعي في حياة السياسيين، إلا أن ذلك لا يقلل من شأنها.. لا أحد ينكر ما كانت تتمتع به من ذكاء وموهبة سياسية وقوة شخصية، يما يثير الدهشة والإعجاب.. لا عجب في ذلك، فهي اللبؤة التي أنجبها الأسد ذو الفقار علي بوتو. كانت بي نظير تقيم في دبي في الفترة الأخيرة من حياتها، قبل عودتها إلى باكستان، تلك العودة التي ختمت حياة بي نظير بوتو باغتيالها، وأسدلت الستار على نهاية حياتها الحافلة.. لقد كانت بي نظير ضحية لعنف الإسلام السياسي في باكستان!.