مع إطلالة كل صباح جديد يزدحم جسر العمال في الكيلو 7 جنوبيجدة بأعداد هائلة من العمالة من جنسيات مختلفة، إذ أن هذا الموقع يعتبر من الروافد الرئيسة لتوفير عمال السباكة والبناء والكهرباء والحدادة والنجارة لمقاولي البناء، إذ إن الكوادر الوافدة المتواجدة في هذا الموقع تزعم أنها تجيد كل الحرف اليدوية، فالسباك يمكنه -حسب زعمهم- أن يصبح بقدرة قادر كهربائيا أو فني تبريد أو عامل بناء.. قصص وأحداث كثيرة تتوارى خلف هذا الجسر ترويها ملامح الوجوه المتعبة التي تنتظر المقاولون وأصحاب البنايات، وما يكاد أحد المواطنين يتوقف بسيارته بجوار الجسر حتى يتقاطر نحوه عدد كبير من العمال وتختلط اللهجات والأصوات فكل واحد يدعي أنه سباك ماهر أو نجار أو كهربائي. في البداية نعود إلى تاريخ هذا الجسر والذي بدأ التعارف عليه «باسم كوبري العمال» قبل نحو 30 عاما وذلك لكثرة توافد العمالة من أصحاب المهن الحرفية سواء كانت سباكة وكهرباء وعمال دهان وغيرهم إلى هذا الموقع، وبحسب بعض الروايات كان اختيار العمال لهذا الموقع بسبب وجوده في جنوبجدة، حيث كان تركز أكثر العمال من أصحاب المهن هناك ونزولهم في تلك المنطقة، كما أن الحياة قبل ثلاثة عقود كانت متركزة في جنوبجدة، وأصبحت العمالة تتوافد بعد أداء العمرة أو الحج للعمل في أي مهنة. «عكاظ» قامت بجولة في جسر العمال والذي يغص بكثير من الأحداث والقصص منها ما هو محزن ومنها ما هو غريب، حيث يمارس أغلب العمال المصريين مهنة السباكة، فيما ارتبطت مهنة الكهرباء بالعمال السودانيين، أما مهنة الدهان وصبغ الجدران فتجيدها العمالة اليمنية، فضلا عن وجود عمال تحميل مواد البناء الثقيلة وهم من الجنسية الباكستانية. وقال محمد المسعودي إن جسر العمال يحمل على كاهله قصصا وحكايات تمتد إلى نحو 30 عاما وأن القصة بدأت في التوالي حتى أصبح الجسر موقعا جاذبا لكل من يرغب في إصلاح الخلل الذي يعتري منزله من العطل الكهربائي إلى إصلاح مواسير السباكة وعمل الدهان وصولا إلى تشييد غرف بسيطة وشعبية. ومع الفجر الباكر يبدأ توافد العمال إلى الجسر للظفر بالعمل مع مقاولين يستقطبون عمالة من نفس المنطقة، وما أن توقفنا بالمركبة في الجسر حتى بدأت العمالة تطوق السيارة رغبة منهم في عرض خدماتهم الحرفية ولكن عندما علموا أننا نقوم بجولة في الموقع تركونا ورجعوا الى أماكنهم في انتظار زبون آخر. وقال رشيد عباد يمني الجنسية ويعمل في مهنة الدهان، إنه درج على التواجد في جسر العمال منذ ما يقارب الثلاثة أعوام وهو يمارس مهنة صبغ جدران المنازل، يقول قدمت للجسر بعد أن أرشدني أحد أبناء عمومتي على الموقع وأغراني بأن المنطقة بها شغل وربح وفير، فحزمت حقائبي نحو الجسر بعد أن أديت مناسك العمرة. ويضيف رشيد بأنه أتى وهو صفر اليدين ولا يعرف شيئا عن مهنة دهن الجدران ولكن بمرور الزمن أصبح معلما يشار إليه بالبنان وفقا لقوله، موضحا أنه بدأ كعامل مع أحد الأقارب الذي أمضي سبع سنوات في مهنة الدهان، وبعد ذلك بدأت بتشرب أصول المهنة كي أعتمد على نفسي واستطيع بعد ذلك الوفاء بالمتطلبات واللوازم وإعالة أسرتي والالتزام بتكاليف السكن والإيجار والمعيشة هنا. من جهته أوضح سعيد باهر من السودان أنه تعلم مهنة تسليك الكهرباء من أحد أقربائه وأنه يتواجد بجوار جسر العمال منذ 17 عاما وتعلم على يديه الكثير من عمال الكهرباء. وتتوالى القصص الغريبة المكتوبة على جبين هذا الجسر والذي أصبح ظاهرة ونقطة يفد إليها الراغبون في جلب عمالة سواء على مستوى الأفراد أو مستوى المقاولين الذين يرغبون في تشغيل عمالة بأسعار أقل، في الناحية الأخرى من الجسر والذي تسيطر عليه الغالبية المصرية والذين يمتهنون أغلبهم أعمال السباكة. وفي هذا السياق أوضح محمد فهيم بأنه يخفي مهنته على ذويه في مصر وذلك بسبب النظرة الدونية التي قد تضر أبناءه وبناته، حيث إن القرية التي يقطنها محمد تعتبر أن العمل في هذه المهنة عيب كبير. وعن سبب عمله في السباكة ذكر أنه بعد قدومه للحج قبل ما يقارب تسعة أعوام كان هناك مجموعة من العمال المصريين الذي تعرف عليهم كانوا يمتهنون السباكة وكان لا بد من إتقاني لها كي استطيع العيش هنا وتأمين مصروف أبنائه في مصر، ويضيف أنه كان يخبر أهله بأنه يعمل مع أحد المقاولين في البناء، ولكن المفارقة العجيبة أن أحد أبناء عمومته التقاه بالصدفة في جسر العمال وهو يحمل أدوات السباكة و أخبر في حينها أهله ولكن بعد أن تخرج أحد أبنائه من كلية الهندسة والذي ذكر أنه صرف عليه من هذه المهنة فإن عمله في مهنةالسباكة وجد قبولا من قبل أهله، وما زالت تتوالى قصص هذا الجسر الغريب في أطواره والذي يحمل ألف عنوان عندما تطرق أركانه وتفكر في السير فيه، في الجسر يعلو طنين أبواق السيارات والزحام وذلك لكثرة العمال على الشارع العام يصلون في بعض الأحيان إلى منتصف الشارع استعدادا لتلقف أي زبون قادم، وما أن يأتي شخص يرغب في إصلاح بعض الأشياء في منزله إلا وتبدأ معركة السباق في الوصول إليه والبحث عن العمل بأي وسيلة. موسى محمد سوداني له طابعه الخاص في الجسر يتقن مهنة إصلاح أعطال الكهرباء وذلك نظرا لتوارث المهنة من جده وأبيه، يقول أنا لا أخرج إلى الجسر إلا في ما ندر حيث ارتبطت بهذا الجسر منذ 12 عام وخلال عملي تعرفت على زبائن ومقاولين عدة وأمارس عملي عن طريق معارفي بالهاتف.. ويضيف خروجي للجسر يكون بسببب تغيير الجو أو التحدث مع الأصدقاء وما أن استرسل في حديثه حتى جاءه اتصال يرغب في عمل شبكة الكهرباء لإحدى العمائر الجديدة.. قصص يموج بها هذا الجسر.. إلا أنه بدأ في التلاشي مع فترة التصحيح والتي يتوقع أن يصيبه ركود سيمحي خارطة مسمى جسر العمال من أذهان الناس.