يعاني سكان حي الأعمدة (أحد أقدم أحياء الجهة الشرقية الملاصق للمنطقة المركزية بالمدينةالمنورة) من العشوائية وتدني مستوى النظافة وانتشار الحشرات والبعوض وسوء حالة الشوارع، بعد أن أصبح ملاذا ومأوى للمخالفين والمخالفات، فضلا عن انتشار العمالة الوافدة في جنبات الحي، وما تسببه من مشكلات عدة في مشهد غير حضاري، الأمر الذي دفع غالبية سكان الحي للهروب إلى أماكن جديدة، يتنفسون فيها الصعداء، ويأمنون على أرواحهم وأبنائهم وممتلكاتهم. الحي المشهور بكثرة محلات الكهرباء والسباكة ومواد البناء وغيرها، تركه غالبية سكانه الأصليين مضطرين للهروب بسبب شوارعه المتكسرة والمليئة بالحفر وأرصفتة التي أصبحت خارج الخدمة، إذ لا يوجد سوى مدخل وحيد للحي يعاني من كثرة ضغط القادمين من خلاله، ما أدى لهبوط في أرضيته، وتسبب في تعطيل معظم سيارات السكان ومن يمرون عليه، كما أن مستوى النظافة تردى، حيث تنتشر القاذورات بجوار المنازل، وينقطع عمال شركة النظافة عن رفع حاويات القمامة. إضافة لذلك، يقل التواجد الأمني فيه، ما أدى لحدوث الكثير من المشكلات وجعل من الحي بؤرة من بؤر العمالة المخالفة التي أصبحت تقطنه؛ لانخفاض الإجارات وذلك لقدم العقارات وكونها بيوتا شعبية، فيما تنتشر العمالة الوافدة في جميع الأرجاء بحثا عن أي عمل وخاصة مع وجود المحلات الكثيرة، ما يشكل ظاهرة غير حضارية تتفشى بصورة مخيفة. ومن المتعارف عليه أن هذه العمالة ليست متخصصة وتقوم بأي عمل يطلب منها، بالإضافة إلى أن الكثيرين من المواطنين يتذمرون من رداءة عملها وإنتاجها، كما أنها لا تخضع لنظام محدد لمحاسبتها في حالة عدم إتقانها للعمل المنوط بها. ويوضح «حسين حامد» من سكان الحي أن «الأعمدة» تقطنه غالبية من الأجانب من فئة العمال وذلك لأن الحي معروف عنه حركته التجارية المستمرة منذ عشرات السنوات، بالإضافة إلى كونه قريبا من المنطقة المركزية من الجهة الشرقية، حيث تعتمد العمالة على ذلك فضلا عن قدم العقارات، ما أدى إلى قلة أسعار الإيجارات فيه، الأمر الذي جعلهم يزيدون من إصرارهم على الاستقرار في مساكن الحي. وأشار محمد عبدالله (أحد سكان الحي سابقا) إلى أن انتشار العمالة يشكل ضررا أمنيا واجتماعيا على المدينةالمنورة بأسرها، إذ حدث تغير كبير في التركيبة السكانية، بسبب زيادة تكدس العمالة في عدد من الأحياء القديمة والعشوائية وبخاصة حي الأعمدة، موضحا أهمية تواجد الفرق الأمنية لتغطية الحي ومتابعته، خاصة لأن موقعه هام وبالقرب من المنطقة المركزية. وأضاف أن أهالي الحي كانوا ينتظرون تدخل الجهات المعنية لتطوير الحي الذي أصبح عشوائيا والعمل على إعادة تنظيمه بعد سيطرة العمالة الوافدة عليه وخاصة من قبل الجوازات، لتكثيف البحث عن العمالة المخالفة لنظام الإقامة والقبض عليها وترحيلها والتخلص من المشكلات التي تسببها من سرقات وترويج للمواد الممنوعة. وبين خالد سالم انتشار العمالة التي تبيع المأكولات دون أدنى تطبيق لمعايير النظافة خاصة أيام الدراسة، حيث يتم استهداف طلاب المدارس لبيع بعض المأكولات، التي يتم تجهيزها بأياد متسخة، وفي شهر رمضان تباع البليلة والبطاطس المسلوقة دون اتباع لأبسط قواعد الصحة والسلامة، ودون أدنى مراقبة من البلدية، مضيفا أن أهالي الحي يتخوفون من انتشار الأمراض المعدية بسبب عدم نظافة الأطعمة المباعة، مبينا أن كل هذه العوامل دفعت السكان الأصليين من المواطنين إلى هجر الحي بعد ارتفاع معدل السرقة وزيادة أعداد العمالة الأمر الذي دعاهم للانتقال إلى الأحياء والمخططات الجديدة وترك منازلهم لتأجيرها على من يريد السكن بها. فيما قال أحمد يوسف إن حي الأعمدة لا يوجد به تخطيط وتنظيم مسبق وأدى ذلك إلى وجود عشوائية كبيرة، حيث تقلصت نسبة أعداد السعوديين فيه؛ لما وصفوه بخطورته عليهم لأن النشأة في حي يشكل السعوديون فيه أقلية تشكل خطورة على ممتلكاتهم ومنازلهم وذلك حسب ما روى عدد من سكان الحي من تعرضوا لعدد من السرقات كما أن ذلك يؤثر على أبنائهم وتصرفاتهم وأخلاقهم وتربيتهم. وأضاف أن الحي يعاني من قلة نظافته، فدائما ما تتجمع القاذورات بجوار المنازل وتنقطع شركة النظافة المسؤولة عنها عن رفع حاويات النظافة بشكل يزيد من المعاناة، إضافة إلى أنه تم الكشف عن العديد من المنازل في هذا الحي ووجدت ماوي للخادمات الهاربات وبعض المخالفات التي تم ضبطها بواسطة هيئة الأمر بالمعروف وبتعاون الأهالي. من جانبها، كشفت أستاذة علم النفس المساعد بكلية التربية بجامعة طيبة الدكتورة عهود بنت ربيع الرحيلي، أن ما تعانيه بعض الأحياء العشوائية من انتشار الفقر وانخفاض المستوى الثقافي لسكانها وتنوع جنسيات قاطنيها، يجعل من شوارعها وأزقتها مرتعا خصبا لجنوح الأحداث، وظهور وانتشار العديد من المشكلات السلوكية المخالفة للأنظمة، مشيرة إلى أنه من المتعارف عليه في علم النفس الاجتماعي أن كلا من الطبقات الفقيرة والأحياء السكانية لهما دور كبير في انتشار مشكلة جنوح الأحداث، وما يمارسه هؤلاء من سلوكيات غير سوية، مثل السرقة والعنف وتعاطي المخدرات بأنواعها، وهو ما يعني أن هذه الأحياء عبارة عن قنابل موقوتة تولد الجرائم بأنواعها. وأضافت الدكتورة الرحيلي أن هذا بدوره ينعكس سلبا على الصحة النفسية لسكان هذه الأحياء العشوائية، فيلازمهم الشعور بالخوف على ذواتهم وأبنائهم، حيث يفتقدون للشعور بالطمأنينة والأمن النفسي، بالإضافة إلى إحساسهم بالنبذ من بعض فئات المجتمع، وهو ما يشعرهم بالنقص وعدم الانتماء للجماعة، وذلك يعني أن خطورة الأحياء العشوائية تنعكس على سلوكيات أبنائها والصحة النفسية لأسرهم، وتنسحب على المجتمع ككل.