يعتبر حي « الأعمدة » من أقدم الأحياء في المدينةالمنورة، يقع بالقرب من الحرم النبوي ملاصقا للمنطقة المركزية من الناحية الشرقية، كان ملتقى لأبناء المدينة وخاصة في ليالي شهر رمضان المبارك، حيث تمارس الألعاب الشعبية الرمضانية وسط أجواء حميمية تسودها المحبة والسعادة، ومع التقدم الحضاري تحول الحي إلى وعاء للمخالفات، يأوي العمالة المخالفة، ويحتضن محال الكهرباء والحدادة والنجارة العشوائية. ربما تعد كلمة (الهروب)، أبلغ وصف لمن يستطيع الخروج من حي «الأعمدة»، بعدما تحول إلى بؤرة للعديد من للمخالفات، وصار حاضنا لأعمال الكهرباء والحدادة والنجارة، كما دخلت عليه عمليات توسع عمراني كبير، إضافة إلى قدوم الوافدين من فئة العمال لهذا الحي، بحثا عن تدني قيمة العقارات وإيجاراتها، ولم تفلح محاولات أهالي الحي في الحصول على عمليات تطوير للحارة من قبل الجهات الرسمية، ففضلوا الخروج منه في الوقت الذي أصبح يستلزم وبشكل عاجل تدخل الجهات ذات العلاقة لتطويره، مثل الأمانة وهيئة التطوير. العمالة الوافدة تنتشر العمالة الوافدة أمام المحال التجارية الخاصة بالأدوات الكهربائية والنجارة والسباكة وغيرها من المحال، حيث أصبحت تشكل ظاهرة غير حضارية في ظل حرص هذه العمالة على عمل كل شيء، وهو ما جعل اسمها مرتبطا ببعض الجرائم التي يتم ارتكابها وكان أقلها عمليات السرقة وغيرها من الأعمال الإجرامية، واختلط الصالح بالطالح، بالإضافة إلى أن الكثيرين يتذمرون من رداءة عملها وإنتاجها، كما أنها لا تخضع لنظام محدد لمحاسبتها في حالة عدم إتقانها للعمل الذي تقوم به. ضياع الحقوق يقول محمود عبد القادر (مواطن): إن العمالة تشكل ضررا على مستوى الاقتصاد والأداء المتطلع منها، مبينا أن هناك قصصا حدثت له مع بعض العمالة، حيث أتى بكهربائي فشعر منه بأنه لا يفهم في الكهرباء شيئا، إضافة إلى أنه استعان مرة بسباك وقام بتخريب العمل لعدم إلمامه بالمطلوب منه. ويقترح عبدالقادر أن يكون هناك تنظيم ومؤسسات تختص بهذي الأشياء، عندما يكون هناك خراب من قبلهم فيتم الرجوع للمؤسسة التي يتبع لها بدلا من ضياع الحقوق، كما يتم مراقبة هذي العمالة من الناحية الأمنية والحقوقية. ضمان الحقوق محمد سلطان وتاج المبارك، يعملان في إحدى المؤسسات في شارع الأعمدة، أحدهما كهربائي والآخر سباك، يؤكدان أن هناك مشكلات تواجههما مع بعض الزبائن من حيث الاتفاق، وأنه لا يوجد من يحمي العمال من تعسف الزبائن سوى اللجوء للشرطة أو الكفيل أو مكتب العمل. واستطردا: «في السابق حدثت الكثير من المشكلات، ودائما ما يحاول الزبون أكل أموال الكادحين بالباطل عنوة رافضا إعطاء العمال حقوقهم ورواتبهم. وطالبا في هذا الخصوص بمحاسبة تلك المؤسسات عبر الأطر النظامية لضمان حقوقهما. لا إشكالية مع النظاميين من جهته أوضح الناطق الإعلامي بشرطة المدينةالمنورة، العقيد فهد الغنام، أن وجود العمالة بشكل نظامي لا يشكل أي خطورة، وليس له تأثير على الحالة الأمنية، أما إذا كانت غير نظامية فلا شك بأن ذلك يعتبر مخالفة للنظام تستوجب المعالجة، وأحب أن أطمئن الجميع أن أي شكوى تؤخذ بعين الاعتبار. وأشار الغنام إلى تنسيق وتعاون بين الأجهزة الأمنية، مؤكدا أن الأمور تسير وفق آلية معينة لإلقاء القبض على المخالفين، وبخاصة الجوازات والأجهزة الأمنية الأخرى. ضغط على الخدمات من جهته يقول الباحث في علم الاجتماع بجامعة طيبة الدكتور حسن الذبياني: إن العمالة الوافدة لها مشكلات من ناحيتين (تنظيمية واجتماعية)، فمن الناحية التنظيمية فلها تأثير كبير على الحياة الاجتماعية لصعوبة الوصول إليها نسبة لوجود العائلات المهاجرة، أما من الناحية التنظيمة فإنها تشكل عبئا على الحكومة، حيث تصبح مصدر ضغط كبير على الخدمات التي تقدمها الحكومة والبلدية للمواطنين والمقيمين النظاميين. رخص الإيجار وأبان د. الذبياني بأن سكان هذه الحارات غالبا ما يكونون من الأجانب أي من جنسيات مختلفة إلى جانب فئات قليلة من السعوديين، والأجانب يسكنون هذه الأحياء لأسباب عديدة، منها رخص الإيجار، وما إلى ذلك، وهو ما ينتج عنه الكثير من الجرائم أقلها كثرة السرقات. أما من الناحية تربية الأبناء في مثل هذه الحارة فإنه يكون لها تأثير سيئ جدا وأثره سلبي للغاية، وبالتالي يكون لها تأثير على المجتمع والأسر، ومن هنا يجب على الحكومة والبلدية أن تتخذ خطوة إيجابية نحو هذه الأحياء والحارات، وفي خارج المملكة تسمى هذه الحارات بمدن الصفيح، لأن غالبية بنيانها تكون سيئة وتبنى من الصفيح. حدث ولا حرج وأضاف الذبياني: أما من الناحية الصحية فحدث ولا حرج عن انتشار الأمراض التي تكثر في هذه الحارات بسبب سوء الصرف الصحي الذي دائما ما يكون فيها سيئا جدا، كما أنها لا تجد الاهتمام الصحي اللازم خاصة أن ساكني الحي أنفسهم لا يهتمون بصحتهم، كما تتراكم النفايات بجانب المنازل، إضافة إلى عدم وجود مراكز صحية تقدم خدماتها لمثل هذه الأحياء. جنوح الأحداث وقالت أستاذة علم النفس المساعد بكلية التربية بجامعة طيبة الدكتورة عهود بنت ربيع الرحيلي: إن ما تعانيه الأحياء العشوائية من انتشار الفقر وانخفاض المستوى الثقافي لسكانها وتنوع جنسيات قاطنيها، يجعل من شوارعها وأزقتها مرتعا خصبا لجنوح الأحداث، وظهور وانتشار العديد من المشكلات السلوكية المخالفة للأنظمة، مشيرة إلى أنه من المتعارف عليه في علم النفس الاجتماعي، أن كلا من الطبقات الفقيرة والأحياء السكانية لهما دور كبير في انتشار مشكلة جنوح الأحداث، وما قد يمارسه هؤلاء من سلوكيات غير سوية، مثل السرقة والعنف وتعاطي المخدرات بأنواعها، وهو ما يعني أن هذه الأحياء عبارة عن قنابل موقوتة تولد الجرائم بأنواعها .. وأضافت الدكتورة الرحيلي أن هذا بدوره قد ينعكس سلبا على الصحة النفسية لسكان هذه الأحياء العشوائية، فيلازمهم الشعور بالخوف على ذواتهم وأبنائهم، حيث يفتقدون للشعور بالطمأنينة والأمن النفسي، بالإضافة إلى شعورهم بالنبذ من بعض فئات المجتمع، وهو ما يشعرهم بالنقص وعدم الانتماء للجماعة، وذلك يعني أن خطورة الأحياء العشوائية تنعكس على سلوكيات أبنائها والصحة النفسية لأسرهم، وبالتالي على المجتمع ككل.