ينقسم الرياضيون بمختلف ميولهم واتجاهاتهم حول الآلية التي تدار بها الأندية السعودية حاليا بين مؤيد لها على الطريقة الحالية من خلال الانتخابات التي ترشح الراغبين ممن يملكون المال والفكر دون أي اعتبارات فنية يمكن أن تحقق نتائج إيجابية ملموسة، وبين معارضين يطالبون بقصر أدوارهم على أمور تنفيذية بعيدة كل البعد عن الدخول في التفاصيل التي يؤملون أن تكون بيد متخصصين فنيين ومن ذوي الخبرة. وبين الجانبين مازالت الأندية تمر بوضع غامض على مستوى العمل الإداري وتواجه العديد من التحديات التي تثير الانتقادات والتساؤلات بشكل مستمر وهو ما حاولنا أن نقف عليه مع نخبة من الكتاب والرياضيين إضافة إلى بعض رؤساء الأندية، وخرجت بالحصيلة التالية من الآراء حول آلية اختيار رؤساء الأندية وملاءمتها للواقع الرياضي. يقول الكاتب والناقد الرياضي المهندس محمد الغامدي «الماس»: الوسط الرياضي عموماً بيئة غير جاذبة للكفاءات الحقيقية وأصحاب الخبرة الإدارية والمالية، ومن الواضح أن الرياضة لدينا تفتقد للأنظمة والآليات المتعلقة بالجمعيات العمومية للأندية لفرز الكفاءات القادرة على تقديم نفسها وخلق جو عمل احترافي تتضح فيه المسؤوليات والصلاحيات وتمكن القادر على فرض نفسه وبالتالي تقديم خدمة للنادي والرياضة بصفة عامة، والواقع مؤلم فنجد منصب الرئيس تحيطه الأضواء ويجذب إليه طالبي الشهرة والمصالح والعلاقات، والقليل من يملك المقومات والكفاءات لتقديم شيء ولفترة زمنية محدودة قبل الانسحاب نتيجة للضغوطات المختلفة. وأضاف الماس من الصعب الوصول إلى حلول بين عشية وضحاها؛ لأن المشكلة معقدة ترتبط بالأنظمة والتشريعات الرياضية وتوفير بيئة عمل احترافية ضمن خطط قصيرة وطويلة المدى من المشرع الرياضي، وإلى ذلك الحين يبقى الحال كما هو عليه مرهونا بتجارب فردية للوصول إلى منصب الرئيس ومغامرة بين نجاح محدود وفشل متوقع، لتبقى المعادلة تقول «بالقليل من الأموال قد تحصل على الكثير من الشهرة»، والتي ربما تكون شهرة سلبية عنوانها الفشل، وبالتأكيد لا ينطبق الحديث على الجميع فهناك تجارب جيدة ولكنها وللأسف محدودة». ويؤكد رئيس القسم الرياضي في جريدة المدينة عبدالله فلاته على أن أهم مشكلة تواجه الأندية السعودية هي ظهور رؤساء لها بشكل مفاجئ دون أن تكون لديهم الخبرة الإدارية فتكون برامج عملهم المستقبلية فضفاضة لا أهداف منها فتكثر الأخطاء في أعمالهم والتخبطات التي تقود الأندية للهاوية. وأرجع فلاته السبب المباشر لظهور هذه المشكلات إلى أن ترشيح الرئيس منفصل عن ترشيح بقية الأعضاء فتكثر اختلافاتهم ما يتسبب في كثرة مهاجمتهم لبعضهم في وقت كان يفترض أن يكون الترشيح عبر قوائم كاملة برئيس معين وأعضاء إدارة محددين ليتحقق التناغم والتنافس بينهم لتحقيق المنجزات. وأضاف «يجب أن تتوفر عدة عوامل في رئيس النادي ومن أهمها الفكر ومناسبة السن لقيادة دفة الأمور في النادي حتى لا تكون إدارته على شاكلة إدارته للجمعيات الخيرية ما تسبب في وصول مشكلات أنديتنا للاتحاد الدولي ووصول مديونياتها وعجزها إلى أرقام فلكية تصعب من مهمة القادم من بعده». واستطرد «ليس عيبا أن يبحث الرئيس عن الشهرة ولكن العيب أن تأتي شهرته من الأبواب الخلفية للوصول لغايات في نفسه، فالفشل مع الجهل يؤدي لقرارات كارثية بحق النادي ولاعبيه وجماهيره». من جانبه، أكد مدير تحرير صحيفة الاقتصادية عيد الثقيل أن أهم ما يجب توفره في رئيس النادي هو القدرة المادية باعتبار أن غالبة أنديتنا مازالت تعاني من شحها في ظل قلة الدعم الذي تحصل عليه «المعيار المتفق عليه حاليا لوصول شخص ما لقيادة الدفة الإدارية في أنديتنا هو توفر المادة وهذا ما لا يتوفر غالبا إلا في أشخاص لهم مكانتهم الاعتبارية الذين يكون دخولهم للمجال الرياضي بهدف تحقيق الشهرة والوصول للأضواء على حساب رياضتنا وأنديتنا». وأضاف «لو افترضنا استغناء الأندية ماديا فإنه من المفترض أن تتحول رئاسة النادي إلى مسمى رئيس تنفيذي يملك الفكر القيادي والاستثماري ويكون النجاح هو شغله الشاغل من خلال استعانته بخبراء يخططون وينفذون بعيدا عن الخطوات العشوائية التي تعاني منها أنديتنا». كما استغرب الثقيل كثرة تذمر رؤساء الأندية وترديدهم لمقولة «نحن ندفع الملايين وأخطاء الحكام تضيعها» وكأنهم مجبورون عليها وتناسوا أن الشهرة التي أخذوها قد سهلت لهم أمورهم التجارية والاستثمارية وأعادت لهم ما دفعوه أضعافا مضاعفة. انسحاب بلا حساب ويرى الدكتور مدني رحيمي عضو الشرف بنادي الاتحاد أننا يجب أن نتحمل تبعات اختيار الرئيس لأنهم أشخاص متطوعون للعمل، فبعضهم يملك المال ويملك القدرة على جلب الأصوات لمصلحته كما أن بعضهم لديه أعضاء شرف يقومون بترشيحه «ما دام الرئيس متطوعا واستطاع بمقدرته جلب الأصوات لمصلحته فعلينا تحمل تبعات ذلك لأن غالبيتهم لا يملكون الفكر الإداري الذي نحتاجه، فنحن حقيقة لم نشاهد برامج عملية تحدد الأهداف التي يجب تحقيقها فكل الهم أن يفوز بالترشيح وهذه هي الغاية لدى معظمهم بدعمهم من أعضاء الشرف الذين لا يترددون بالتخلي عنهم بعد أن يقع الفأس في الرأس ما يتسبب برميهم للأندية في مديونيات وتجاوزات لا يستطيع أحد محاسبتهم عليها باعتبار أنهم متطوعون». وأضاف «إذا سلمنا من المديونيات التي تضاف على النادي فإننا لن نسلم من الصراعات والاختلافات عند دخول أكثر من مرشح للرئاسة باعتبار أن من تم ترشيحه هو من أصحاب المال والذي يدير النادي دون فكر رياضي بالإضافة لعدم قدرته على التعامل مع المتواجدين في النادي بحكم اختلاف ثقافاتهم وتنوع البيئات التي قدموا منها». وأكد مدير تحرير الشؤون الرياضية بجريدة الشرق سعيد هلال على أنه وفي ظل المتطلبات المادية التي تحتاجها الأندية فمن الصعب وضع معايير مختلفة عن المعايير القائمة في الفترة الحالية والتي تشترط أن يكون رئيس النادي ذا قوة مالية لمواجهة كثرة المصروفات في ظل تطبيق الاحتراف. وأثنى هلال على رئيس نادي الفتح عبدالعزيز العفالق الذي كسر هذه القاعدة وأثبت بفوز فريقه ببطولة دوري زين السعودي للمحترفين وبأقل صرف مالي بأن الفكر يسبق المادة، متمنيا أن يستفيد بقية الرؤساء من تجربته وطريقه قيادته لفريقه بأقل الإمكانيات المادية. كما أكد أن رئاسة الأندية مجال خصب لتحقيق الشهرة التي تسهل لهم الكثير باعتبار أن غالبيتهم من رجال الأعمال فحققوا أرباحا تضاف لأرصدتهم من خلال شهرتهم التي نالوها من الأندية. واعترف الكاتب والناقد الرياضي ومستشار شركة صلة أحمد دياب، أن العامل المادي للمتقدم للرئاسة هو الحد الفاصل في تسهيل وصوله لكرسي الرئاسة وما غيرها لا يهم «ليس هناك ضرر من أن يتولى من يملك المال دفة القيادية لأنديتنا ولكن يجب مراعاة مشكلة تعاني منها الأندية وهي أنها مازالت تدار بفكر الهواية وهذا ما يستوجب أن يستعين الرئيس بخبرات قادرة على إدارة الكرة بفكر احترافي مع وضع خطط استراتيجية لآلية العمل القادمة». واستطرد «إن أكثر المشكلات التي تعاني منها بعض الإدارات الناجحة وتضعها تحت الضغوط هي أن النادي يجب أن يكون بطلا مع أن البطولة أمنية وليست هدفا أساسيا، فالأهم وضع أهداف على المدى الطويل تؤمن استمرارية النادي في القيام بواجباته نحو المجتمع وفي تحقيق البطولات وهذا ما يجب على الجمعيات العمومية مراعاته من خلال وضع النادي المالي والذي يضمن الاستمرارية في تحقيق المنجزات وبتحقيق الغاية من وجودها». وأكد ذياب أن رئاسة الأندية مجال خصب لتحقيق الشهرة بدليل ظهور أشخاص على السطح الرياضي لم يكن أحد يعرفهم من قبل. ويرى الكاتب والناقد الرياضي خالد قاضي أن الانتخابات أثبتت فشلها الذريع لأنها ركزت اهتمامها على اختيار الشخص الذي يملك قوة مادية «لا أحد يستطيع التقليل من أهمية المادة في تسيير أمور النادي ولكن الملاحظ أن الجمعيات العمومية ركزت اختياراتها على رؤساء يملكون المادة ويفتقدون للفكر الإداري وهذا ما يتوجب على رئيس النادي أن يكتفي بالظهور الإعلامي ويوكل مهمة الإدارة لمدير تنفيذي يكون قادرا على رسم الخطط والأهداف القريبة أو البعيدة». وأضاف «لاشك أن رؤساء الأندية السعودية هم أكثر استفادة بدخولهم المجال الرياضي الذي يعد أسرع الطرق لتحقيق الشهرة التي عادت إليهم بالمنفعة لأن ما دفعوه لا يمثل إلا جزءا يسيرا لو تم دفعه على الدعاية والإعلان لاستثماراتهم». تطوع وانتقاد أما رؤساء الأندية فيرون أن ما قدموه يستوجب الشكر وليس النقد؛ لأنهم في نهاية الأمر متطوعون ويبذلون الغالي والنفيس لأنديتهم، إذ يؤكد رئيس نادي الفيصلي فهد المدلج أن المادة هي عصب الحياة والمنظومة الرياضية تحتاج لها كما أن الفكر هو من يصنع النجاح فلا فكر سيترجم دون مادة والعكس صحيح. وحول غياب التخطيط من قبل إدارات الأندية والتي أدخلوها في مديونيات قال المدلج «ربما يحدث ذلك في الأندية الكبيرة لأنها قد تدفع الأموال لإرضاء الجماهير أما بالنسبة لوضعنا فليس لدينا مديونيات إلا مديونيات داخلية تسبب فيها تأخر حقوقنا من النقل التلفزيوني وتم اعتمادها من الاتحاد السعودي فأصبحت ديونا قابلة للسداد منه». وعارض المدلج كل من ذهب إلى بحث رؤساء الأندية عن الشهرة، موضحا أن النادي يأخذ وقتا أكبر من عائلته وأعماله الخاصة، وأكد رفضه سابقا للعمل في الأندية الكبيرة التي كانت ستسهل له طريق الشهرة بأسرع مما حققه له الفيصلي الذي استلمه وهو في دوري المناطق إلى أن وصل به لدوري الأضواء. وبدوره، شدد رئيس نادي الرائد فهد المطوع أن ما يناله رئيس النادي من شهرة قد دفع مقابلها من ماله وصحته ووقته ووقت أسرته «حقيقة لا توجد آلية لاختيار رئيس النادي سوى أن يكون قادرا ماديا ليستطيع قيادة دفة النادي بجميع مستلزماته، فمع الأسف أن نظرة الغالبية لأنديتنا تظل قاصرة على كرة القدم باعتبار أنها هي الواجهة للنادي مع أن هناك مجالات أخرى لا تلفت انتباه الإعلام ولا الجماهير». وحول الفكر الإداري قال المطوع «المسألة ليست مسألة فكر فقد تخطط وتعمل ولا يحالفك التوفيق بدليل أن هناك أندية كبيرة دفعت الأموال الطائلة لجلب أجهزة فنية ولاعبين من أجل تحقيق المنجزات وإسعاد الجماهير ولكن التوفيق جانب كل ما عمل فتجد السيوف توجه ضد رئيس النادي مع أنه جاء بحثا عن النجاح في المرتبة الأولى». في المقابل، نفى المهندس عبدالرحمن النعيم رئيس نادي هجر وجود آلية محددة لاختيار الرئيس؛ فالعملية تتم عن طريق ترتيب مجموعة من الأشخاص تؤهله لاستلام الرئاسة، وأرجع ذلك لغياب تفعيل العمل التطوعي وتفعيل دور الجمعية العمومية التي يهمها اختيار الرئيس المناسب الذي يتم عادة لشخص له مكانته الاجتماعية ويملك المادة ويرغبون في الاستفادة منه لفترة معينة فيتم انتخابه رئيسا دون أن تكون هناك أجندة محددة وواضحة لمسيرة العمل الذي لا يمكن أن ينفذها دون دعم من أعضاء الشرف أو الدولة فليس مسؤولية الرئيس جلب الأموال بالإضافة للتخطيط والتنفيذ وهذا ما جعلنا نعيش في فوضى وربكة أضرت بالرياضة السعودية. وأضاف «يجب أن توضع آلية توضح الأحق برئاسة النادي الذي بدوره عليه اختيار أعضاء مجلس إدارته لتكون مجموعة متجانسة ومتفاهمة مع منحهم فرصة العمل دون أن تكون هناك حروب وصراعات من الإدارات السابقة؛ فغلبة لغة الأنا هي من تسببت في بحث كل عضو عن سقوط الإدارة الجديدة وفشلها». واختتم النعيم حديثه مؤكدا أنه ليس بحاجة للشهرة ولكنه تطوع للعمل من أجل الأحساء وأهلها الذين عاتبهم على تقصيرهم في حق ناديهم قائلا «بالرغم من أن نادي هجر يمر بمرحلة حرجة في تاريخه إلا أن أعيان محافظة الأحساء لم يكلفوا على أنفسهم بالاتصال والوقوف مع النادي في محنته بل تركوه يغرق وكان الأمر لا يعنيهم».