المسافة بين مأرب المحافظة ومأرب مملكة سبأ كبيرة جدا، وهذا لم أكتشفه إلا بعد زيارتي للمحافظة، حيث اختلطت رائحة التاريخ برائحة الإرهاب، ولم أستطع التمييز بينهما إلا بعد أن التقيت بمحافظ محافظة مأرب اليمنية الشيخ سلطان العرادة الذي تمكن لحد كبير من تغيير الصورة التي ارتبطت بذهني، حيث أكد أن التخلص من تنظيم القاعدة وعصابات التخريب في مأرب لن يتم إلا عبر تحقيق التنمية والتعليم، وإنهاء البطالة وتعزيز الأمن والاستقرار اللذين وصفهما بأنهما خطان متوازيان. ولم يعترف الشيخ «العرادة» في حوار مطول أجرته «عكاظ» بوجود القاعدة في مأرب، بيد أنه قال «إذا كانت موجودة فستكون في المناطق الفارغة ذات المساحات الصحراوية الشاسعة». وتابع قائلا «إن القاعدة تعتبر مأرب ممرا لها وليس مركزا»، وزاد: «الدولة لن تسمح بوجودهم، وتتعامل مع المخربين بحزم وبلا هوادة». وقال إن هناك من يتعاطف مع القاعدة في مأرب، إلا أن هؤلاء هم أفراد، مؤكدا أن القبيلة هي الداعم الرئيسي للدولة في إنهاء الانفلات الأمني واقتلاع القاعدة من جذورها. وثمن دور خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وحرصه الدائم على دعم اليمن وتعزيز الاستقرار فيه، مؤكدا أن دعم الملك عبدالله للمبادرة الخليجية أدى لخروج اليمن من دائرة الاحتراب الداخلي والانزلاق نحو الهاوية.. فإلى نص الحوار: ? بداية، نود معرفة دور السلطة المحلية والأجهزة الأمنية في مأرب، ووسائل التنسيق بينهما لمكافحة الإرهاب؟. قبل الحديث عن الإرهاب وتنظيم القاعدة، أود أن أوضح لكم أن لدينا في مأرب هموما كبيرة وإشكالات متعددة، كون مأرب واحدة من المحافظات اليمنية التي تعاني من تراكمات ترتبط بالقضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ورغم ذلك تمكنا بالتعاون مع المخلصين من أبناء اليمن والأشقاء والأصدقاء التخلص من العديد من الإشكالات الاقتصادية التي تعاني منها المحافظة. ونحن حاليا نركز جهودنا على جانبين مهمين نعتبرهما مكملين لبعضهما البعض، وهما: تحقيق التنمية، وتعزيز الأمن، فمن وجهة نظري أنه لا يمكن تحقيق التنمية في المحافظة بدون إيجاد حالة استقرار وأمن، والعكس. وهاذان الموضوعان يحتاجان لبذل الكيثر من الجهود والعطاء في سبيل إيجاد تنمية شاملة نستطيع من خلالها أن نستوعب الشباب والطاقات ونتخلص من البطالة التي تعد من الأسباب الرئيسية التي تنتج عنها منظمات إرهابية وخلايا تخريبية. وهاذان خطان متوازيان يجب أن يتحركا معا. انفلات أمني ? لكننا لاحظنا انتشارا للسلاح وسط المدينة وعدة ظواهر للانفلات الأمني وتواجد عناصر تنظيم القاعدة، فكيف يمكن تحقيق الأمن في هذه الظروف؟. لا أخفي عليكم أن اليمن مرت بمرحلة خطيرة جدا خلال العامين المنصرمين، ولم تكن تلك المرحلة بالأمر السهل، فقضية المنظمات والخلايا الإرهابية هي ظواهر عالمية ليس لها حدود ولا مكان ولا دين ولا زمن، سواء كانت القاعدة أو المافيا أو غيرها من المنظمات التخريبية التي تنتشر بالعالم كله. ونتيجة للوضع الاقتصادي والأمني والثقافي الذي مرت به اليمن، حدثت تطورات كبيرة انعكست على تقوية الخلايا الإرهابية، ومتى ما توفرت للمجتمع البنيتان الاقتصادية والأمنية الجيدتان ستنقرض هذه الظواهر وستختفي مثل هذ القضايا. ولا أعتقد أن القاعدة في اليمن بالشكل الذي تتحدث عنه، وهناك تضخيم من قبل الإعلام. ? لكن عناصر تنظيم القاعدة نفذت عمليات نوعية في مأرب، أحدثت خسائر جسيمة خاصة ضربها لأنابيب النفط ومحطات الكهرباء، ما تعليقكم؟ إذا وجدت القاعدة في مأرب، فهم موجودون في مناطق ذات مساحات فارغة، ولقد سنحت للقاعدة الفرصة لأخذ السلاح من مخازن الدولة في محافظة أبين، الأمر الذي أظهرهم بشكل تسليحي قوي في مأرب، لكن الدولة اليمنية لم تسكت ولم تسمح لهم بالاستمرار، وتعاملت معهم بحزم وقوة وقضت على الخلايا، وهم الآن مختفون تماما وتواروا عن الأنظار. وهنا يجب ألا ننسى التعاون اللوجستي من الأصدقاء والأشقاء في المنطقة والعالم للقضاء على الإرهاب؛ لأن ظاهرة الإرهاب تحتاج لعمل جماعي عالمي. ونحن في محافظة مأرب لسنا بمعزل عن الآخرين ولكنني أوكد أنه، ورغم الظواهر التخريبية التي حدثت مؤخرا إلا أنها ليست بالشكل المطروح من الإعلام من حيث القوة والتنظيم والمراكز. ولكن بسبب مرحلة الانفلات الأمني في العهد الماضي، عززت هذه التنظيمات نفوذها، وهو السبب الرئيسي في ظهورها بشكل أو بآخر وبقائها داخل اليمن. دور هام للقبيلة ? إذن ما هو دوركم كمحافظ للتعامل مع تهديدات القاعدة وعدم السماح للقبيلة في إخفاء عناصر القاعدة تحت عباءة القبيلة؟. دورنا في المحافظة أن نعمل بالتعاون مع العقلاء والوجهاء وزعماء القبائل الذين لهم مواقف مشرفة نعتز ونفتخر بها للتوعية ومنع إعطاء الغطاء لعناصر تنظيم القاعدة لتحتمي بالقبيلة، بالإضافة إلى تعزيز دور الأجهزة الأمنية والقوات المسلحة لقمع الإرهاب والمخربين وللحد من هذه الظاهرة وفي تصفية المحافظة من أي ظواهر تعمل على إحداث بلبلة وحالة عدم استقرار وإرهاب للسكان تحت أي مسمى كان. لا لدعم القاعدة ? كسلطة محلية، لماذا تلجؤون للقبيلة؟. نحن حينما نرجع للقبيلة، فهذا ليس لمطاردة المخربين من خلالها، وإنما لتفادي الإشكالات مع القبيلة، فالموضوع لم يعد يكمن في متابعة القبيلة للمخربين بقدر ما هو تفاد لحدوث إشكالات بين أفراد القبيلة والقوات المسلحة والأمن؛ لأن هناك وجهات نظر لبعض زعماء القبائل حول طبيعة تعامل الجيش حيال ما يجري على الأرض من عمليات عسكرية ضد القاعدة والتي تحدث في بعض الأحيان أضرارا للمدنيين، ونحن حريصون على إيجاد حالة التفاهم بين القبيلة والدولة، بحيث تكون القبيلة في خندق واحد وفي وصف واحد وعلى مسافة واحدة مع الدولة لملاحقة أي مخرب أو إرهابي في المحافظة. ? ما هي النتائج التي تمخضت عن اجتماعاتكم بالزعماء القبليين في مأرب؟ وهل تمكنتم من الوصول لرؤى مشتركة حيال اقتلاع القاعدة من مأرب؟. في الحقيقة، إن الاجتماعات متواصلة مع القبائل في مأرب لتطوير التعاون مع الدولة، والاجتماع الذي حضرتموه هو في إطار سلسلة الاجتماعات لإيجاد تفاهمات مع زعماء القبائل حول كيفية كبح جماح القاعدة ومنع أي تعاطف أو دعم لها في صفوف القبيلة. وأعتقد أن القبيلة متعاونة ومتكاتفة مع الدولة لمحاربة المخربين، ولا يمكن أن تستغني الدولة عن القبيلة في جهودها لمحاربة المخربين. ونحن طلبنا منهم في الاجتماع الموسع أن يحددوا مواقفهم من أي مخرب ومن أي جهة كانت تدعم القاعدة، وأبدوا استعدادهم ليقفوا لجانب الدولة، ولديهم بعض المطالب التي نحترمها ونحاول تحقيقها. نحن مستمرون في إيجاد التعاون الذي يخدم الأمن، ليس فقط في اليمن وإنما في المنطقة، وأؤكد لكم أنه لا توجد أي قبيلة في مأرب تعطي الحماية للقاعدة أو المخربين، ولكن هناك أفرادا معزولين يتعاونون مع القاعدة وهؤلاء ستتم متابعتهم. ? إذن كيف تقيمون التعاون بين القبيلة والدولة؟. كما قلت الجميع متعاون، ولدينا قضايا إرهابية وعمليات تخريب، ولقد قام البعض بتسليم بعض العناصر المتعاطفة مع القاعدة للسلطة، والسلطة ضمنت سلامتهم. وثيقة تعاون ? لكنكم وقعتم على وثيقة تعاون بين السلطة المحلية وزعماء القبائل بعدم دعم القاعدة، لكن بعض القبائل لم تلتزم بذلك، ما رأيكم؟. تم التوقيع على الوثيقة لضمان الأمن من جميع أبناء المنطقة، والقبائل مستمرة في التعاون مع الدولة ضد أي مخرب وأعلنت نبذها للعنف والتخريب. ? هل بالفعل هناك تواجد للقاعدة في مأرب؟. لا يوجد مراكز لتنظيم القاعدة بالمفهوم الشامل، وإنما هناك أشخاص متعاونون وينتمون إليها ولا وجود للقاعدة في مأرب، وهناك ولاءات وأشخاص لها مصالح مع التنظيم، فنحن لا نستطيع أن نحدد مواقع قيادات للقاعدة، حيث يعتبر التنظيم محافظة مأرب معبرا وممرا له. ولا نستطيع تحديد موقع محدد له. تشكيل لجان شعبية ? هل هناك توجه لتشكيل لجان شعبية تساند الجيش على غرار اللجان التي تم تشكيلها في محافظة أبين؟. هذا الموضوع مطروح للبحث مع القبائل، وربما نصل إلى فكرة تجنيد أبناء المحافظة، ومن ينخرط فيه شأنه شأن أي فرد في صفوف القوات المسلحة والأمن. دور إيجابي للمملكة ? كيف تنظرون إلى دور خادم الحرمين الشريفين في دعم المبادرة الخليجية والحرص على استقرار اليمن؟. في الحقيقة، إن المملكة واليمن هواجسهما واحدة، فأمن المملكة هو أمن اليمن، وأمن اليمن هو أمن المملكة، وارتباطهما ببعضهما البعض أمر لا يغفل عنه أي إنسان. وخادم الحرمين الشريفين والرئيس عبد ربه منصور هادي حريصان على التعاون بشكل وثيق لتعزيز العلاقات ومكافحة الإرهاب، ونحن متفائلون بأن المرحلة القادمة ستشهد المزيد من التعاون والتنسيق بين البلدين.