زيارتي لمدينة لودر بمحافظة أبين قبل سبعة أشهر والتي شهدت خلالها دحر تنظيم القاعدة منها، فتحت شهيتي الإعلامية لزيارة محافظة مأرب التي تقع إلى الشرق من العاصمة صنعاء وتبعد 170 كلم منها، والتي يقال إن قيادات تنظيم القاعدة في اليمن لجأت إليها وإلى مدينة شبوة بعد هزيمتها في أبين. الزيارة لمأرب لم تكن بالسهولة التي توقعتها واضعا في اعتباري أن المحافظة لا توجد فيها حرب معلنة ومفتوحة ومنظمة ضد تنظيم القاعدة من قبل الجيش اليمني. غادرت بمعية زميلي أحمد الشميري وفارس بن حمد بن جلال نجل شيخ مشايخ قبيلة آل جلال بوادي عبيدة والشيخ سلطان الباكري أحد أعيان مأرب وحراسات خاصة تم توفيرها من قبيلة عبيدة، بعد التنسيق الذي تم بين وزير الدفاع اللواء الركن محمد ناصر أحمد مع رئيس التوجيه المعنوي التابع للوزارة العميد يحيى عبدالله بن عبدالله وقائد المنطقة الوسطى أحمد سيف المحرمي والشيخ حمد بن جلال بتأمين الطريق من صنعاء إلى مأرب لضمان عدم حدوث أي محاولات من قطاع الطرق المعروفين بالمجموعات المسلحة التخريبية لإغلاق الطريق وتعطيل مهمتنا، خاصة أن طريق صنعاء مأرب يتعرض دائما للإغلاق كليا بسبب مطالبهم غير المشروعة. استغرقت رحلتنا من صنعاء الى مأرب ساعتين ونصف، وفور وصولنا لمأرب توجهنا إلى مقر السلطة المحلية بمحافظة مأرب حيث شهدنا اجتماعا هاما بحضور جميع شيوخ وأعيان قبائل مأرب مع المحافظ سلطان العرادة وقائد المنطقة العسكرية الوسطى ومدير أمن المحافظة العميد حميد الضراب والقيادات الأمنية والاستخباراتية حيث كان هدف الاجتماع حث القبائل لإعلان دعمها للجيش اليمني لدحر المخربين وعناصر تنظيم القاعدة في وادي عبيدة الذي تنتشر فيه عناصر القاعدة و تقوم بعمليات الكر والفر (اضرب واهرب) حيث يخوض الجيش اليمني معارك ضد التنظيم الإرهابي بهدف دحره واجتثاث جذوره من محافظة مأرب. فوادي عبيدة الذي زرناه قيل إنه معقل لتواجد قيادات التنظيم التي تتخذ من وادي عبيدة ومحافظة مأرب منطقة مرور (ترانزيت) من المناطق الجنوبية (شبوة وأبين وحضرموت والبيضاء) إلى محافظات الجوف والعاصمة صنعاء بهدف تنفيذ عملية إرهابية وتخريبية. المشهد العام داخل صالة الاجتماعات كان مشدودا وغير عادي خاصة أننا شاهدنا مشايخ القبائل المتواجدين متوترين في مقر الاجتماع الذي بدأ بكلمة من محافظ محافظة مأرب الشيخ سلطان العرادة دعا فيها شيوخ القبائل لإعلان دعمهم لمهمة الجيش في دحر تنظيم القاعدة ومواجهة المتعاطفين مع التنظيم الإرهابي والتعامل معهم بحزم وشدة وعدم السماح لأعضاء التنظيم باختراق القبائل وتحويل وادي عبيدة ومحافظة مأرب إلى مرتع ووكر لتنظيم القاعدة، مؤكدا ضرورة أن تنخرط القبيلة مع جهود الجيش لدحر التنظيم وعدم السماح لهم بالقيام بأي أعمال إرهابية خاصة ما يتعلق باستهداف أنابيب النفط ومنشآته ومحطة التوليد الكهربائية. وشهد الاجتماع مناقشات ومشادات بيد أن الجميع كانوا متفقين على ضرورة محاربة التنظيم لكنهم اختلفوا على الآلية التي تنظم طبيعة التعاون والتنسيق بين السلطات المحلية والجيش والسلطات الأمنية والاستخباراتية مع القيادات القبلية. فالاجتماع الذي استغرق أكثر من ثلاث ساعات لم يتمخض عن خارطة طريق واضحة المعالم إلا أن المشايخ اتفقوا مع القيادات المحلية على خطط لتشكيل اللجان الشعبية على غرار ما تم في محافظة أبين بهدف تعزيز وتوثيق التعاون مع الجيش والسلطات الأمنية الأخرى لمحاربة تنظيم القاعدة، كما تمخض أيضا عن عقد سلسلة من الاجتماعات بين السلطة المحلية وكل قبيلة على حدة لتحديد آلية العمل وكيفية ضمان عدم تعاون أي فرد من أفراد القبيلة مع عناصر تنظيم القاعدة أو إيوائهم أو تقديم أي دعم لهم لتنفيذ مخططات تخريب ضد المحافظة. المفاجأة التي تمت قبيل انتهاء الاجتماع كانت بتسليم اثنين من شيوخ القبائل لعنصرين من تنظيم القاعدة للسلطات المحلية هما (صالح بن محمد بن هديل وعبدالله بن صالح بن جلهم) حيث أقر العنصران أمام الجميع بأنهما عادا إلى طريق الصواب ولن ينخرطا مجددا في أي أعمال تخريبية ضد المنشآت الحكومية والتنموية في المحافظة. «عكاظ» تحدثت مع عبدالله بن صالح بن جلهم الذي اعترف بقيامه بتنفيذ اعتداءين على أبراج الكهرباء في مأرب وقال إن عملية غسيل الدماغ التي تعرض لها من قبل القاعدة كانت أحد الأسباب الرئيسية لانحرافه وتوجهه إلى هذا المسلك غير الإسلامي والبعيد عن الأعراف والتقاليد القبلية. أما العنصر الثاني الذي سلم نفسه: صالح بن محمد بن هديل فقال «سلمت نفسي طواعية مقرا أن سلوك تنظيم القاعدة لا ارتباط له بالدين الإسلامي الحنيف»، وعقب عملية التسليم أعرب محافظ مأرب في تصريح خاص ل«عكاظ» عن أمله أن تشهد المرحلة القادمة عمليات تسليم مماثلة للسلطات المحلية، مؤكدا أن جميع أجهزة السلطة المحلية لن تسمح لتنظيم القاعدة بتنفيذ مآربه في المنطقة. بيد أنه قال إن السلطات ترحب بتسلم عناصر التنظيم لأنفسهم وسيتم التعامل مع كل حالة على حدة وسيتم أيضا إطلاق سراح من لا يثبت تورطه في اعمال تخريبية إرهابية والإفراج عن كل من تثبت براءته. من جهته، قال قائد المنطقة العسكرية اللواء ركن أحمد سيف المحرمي ل«عكاظ» «الجيش لن يتهاون وسيتعامل بكل حزم مع تنظيم القاعدة أو من يتعاونون معهم»، مؤكدا في الوقت نفسه أن الجيش على يقظة تامة وسيكون حريصا على حماية أرواح المواطنين في المحافظة. في حين اعتبر الشيخ حمد بن جلال شيخ مشايخ عبيدة أن تشكيل اللجان الشعبية يجيء لدعم مجهود الجيش والقبائل لمحاربة الفكر الإرهابي وإرساء الامن والاستقرار في المحافظة، مؤكدا أنه بادر قبل أشهر بتوجيه أبناء قبيلته بالإبلاغ عن أي تحركات للقاعدة في أوساطهم ومواجهتهم.