قدم مهرجان القاهرة الدولى للخط العربى، في دورته الأولى التي استمرت حتى نهاية يناير في بيت السناري، سياحة فنية وثقافية في الخطوط العربية وإبداعاتها وتطوراتها عبر العصور وعلى امتداد العالم الاسلامي كله بدءا من معروضات الصور الميكروفيلمية لمصحف عثمان غير المنقوط وغير المشكول، وهو أول إصدار للمصحف الشريف، مرورا بأعمال كبار الخطاطين الراحلين، وعفريت الخط الفنان محمد حسني والد الفنانتين نجاة الصغيرة وسعاد حسني وشيوخ الخطاطين الراحلين في مصر ووصولا إلى التشكيل الفني للخط العربي الذي يأخذ الطابع التشكيلي في أعمال خضير البورسعيدي وابتكاراته في ابتداع خط باسم وهو «ريشتخضير» . وكان من اللافت لوحتا الفنان ناصر الميمون، وفي هذا السياق يقول الخطاط المصري محمد صميدة: تعرفت على أعمال الميمون مبكرا من خلال المسابقات الدولية، وهو بمهرجان القاهرة قدم لوحة بديعة ( حسبنا الله ونعم الوكيل ) بتكوين ثلث حر، وهو أسلوب حديث استخدم فيه الكتابة من أسفل لأعلى ووظف فيها جماليات الزخرفة، بجانب البراعة في استخدام اللون البني مع أرضية بيج وورق معالج، أما لوحته الثانية «إن العزة لله جميعا» فيجنح فيها الميمون للبساطة التعبيرية باستخدام الخط الفارسي. ويقول صميدة: إن لوحة عثمان طه «ادعوا ربكم تضرعا وخفية» مكتوبة بالخط المغربي الذي كتبت به المصاحف في بلاد المغرب العربي وكان شائعا في الاستخدام حتى العصر الاندلسي وحتى الان، حيث يستخدم مبدعها الحروف بلون مخالف للون الكتابة لجذب انتباه المشاهد للوحة. ويرى الفنان المصري إبراهيم أحمد إبراهيم، أن الميمون لجأ في لوحته «إن العزة لله» إلى البساطة في التركيب وهجر الزخرفة لكنه استعاض عنها بالتنسيق اللوني بين الخلفية البيضاء والكتابة باللون الاسود. أما في لوحته «حسبنا الله» فقد استخدم خط الثلث وطوعه في لوحة فنية بديعة في التركيب وتحرر فيها من القوالب التقليدية لخط الثلث كالمستطيل والدائرة وغيرهما. كما يرصد جمال التكوين في لوحة عثمان طه «أينما تكونوا يدرككم الموت» حيث تتنوع فيها الكثافة والفضاء إضافة للتوازي في الأحرف مما أعطى للناظر إليها إحساسا وكأنها آلة موسيقية تعزف على الأوتار. وتشتهر أعمال الميمون بالحداثة في تكوين الخط العربي مثل لوحته «حسبنا الله» مستخدما فيها الخط الفارسي. وتوقف الفنان سيد الكومي عضو جمعية الخطاطين المصريين عند لوحة الفنان عثمان طه «أينما تكونوا يدرككم الموت» المكتوبة على ورق البردي على خلاف الخطاطين الذين يستخدمون الورق المقهر، أما في لوحته «ادعوا ربكم تضرعا وخفية» فقد استخدم فيها تجديدا فنيا فجاءت اللوحة التشكيلية في تناسق لوني وتطعيم باللون الاخضر لحروف تشكيل الكلمة متبعا الأسلوب القديم في تلوين الزخارف العربية. كما لفت إلى أن فن الخط العربي في المملكة له حضوره القوي عبر الاجيال خاصة أعمال الفنان عثمان طه كاتب مصحف الحرمين الشريفين، وكذلك من جيل الشباب عبد الرحمن أمجد الذي تتلمذ في مصر. ومن الاعمال الملفتة أيضا بالمعرض لوحة الفنان محمد حسني والد الفنانتين نجاة وسعاد حسني، ومنها لوحة «واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا» وكتبها بخط الثلث والنسخ معا، وكان فنانا رائعا في الأداء وأطلق عليه لقب «عفريت الخط العربي». ومن نماذج الحداثة في المعرض تجيء أعمال الفنان الإماراتي محمد النوري الذي اتسمت لوحاته بالاسلوب الحديث في الخط العربي بخروجها عن النمط التقليدي للتكوين. وكذا الفنان خضير البورسعيدي الذي ابتكر خطا حديثا أسماه «ريشتخضير» وقدم منه نموذجا بالمعرض في لوحة «كن كالنخيل عن الأحقاد مترفعا يرمى بحجر فيلقي أطيب الثمر» ، ووظف فيها قدرته كفنان تشكيلي في كتابة الحروف على شكل نخلة. وعن أعماله بمهرجان القاهرة يقول الفنان أحمد عبد العزيز استاذ بأكاديمية الخط العربي: شاركت بثلاث لوحات بالخط الكوفي المضفر، منها لوحة «فاذكروني واشكروا لي ولا تكفرون» التي ابتكر فيها كتابة حرف الكاف بتركيبه فوق بعضه وزينها بأربعة أركان زخرفية مذهبة وملونة. وفي لوحته «فسيكفكهم» كتبها بطريقة مركبة تقلل من مساحة عدد حروفها التسعة مع تزيينها، موضحا أنه شارك بعدة معارض دولية مثل تركيا والشارقة ومكة المكرمة وملتقى الملك فهد لطباعة المصحف الشريف لأشهر خطاطي المصحف عام 2012 بثلاث لوحات نالت إعجاب الجمهور منها لوحة مكتوبة بالخط الكوفي الفاطمي المضفر المزخرف وتم تكريمي في هذا الملتقي بالمدينة المنورة ووجدت اهتماما كبيرا بالخط العربي في السعودية ولديها فنانون مبدعون.. وعن رؤيته للاعمال السعودية بمهرجان القاهرة يوضح الفنان أحمد العزيز، أن أعمال الفنان ناصر الميمون تحضر بقوة في لوحته «العزة لله» حيث البراعة في استخدام الخط الفارسي والتنوع في الابداع مع رشاقة الحروف. أما لوحته «حسبنا الله» فقد خرجت بأسلوب جيد في كتابة خط الثلث الجلي وفي تطعيمها بالزخارف النباتية، لكن كان أجدر بالفنان الميمون أن يجعل لفظ الجلالة متصدرا أعلى اللوحة.