لم يكن توقف عمال الشركة المنفذة لمشروع مركز الملك عبد الله المالي عن العمل لتأخر تسليمهم رواتبهم ثلاثة أشهر الحدث الأول من نوعه، كما أنه لن يكون الحدث الأخير كذلك، غير أنه سوف يبقى حدثا استثنائيا رغم ذلك، فلم يكن من المتصور أن تعجز شركة تتصدى لتنفيذ مشروع يضم أكثر من مائة ناطحة سحاب ويمتد على مساحة 1.6 مليون متر مربع عن دفع أجور عمالها، وتدفعهم دفعا إلى التوقف عن العمل، والتجمع على نحو أثار كثيرا من اللغط كما أدى إلى عرقلة المرور في واحد من أهم شوارع الرياض الرئيسية. لم يكن من المتوقع أن تقدم على تعطيل حقوق العمال شركة تقوم بتنفيذ مثل هذا المشروع، وتدرك أن أي خطأ ترتكبه أو قصور تقع فيه سوف ينعكس سلبا على سمعة المشروع بكل ما يحمله من أهمية الدور الذي سوف ينهض به، ورمزية الاسم الذي يحمله، خاصة إذا ما أدركنا أن كثيرا من الناس، بل ومن الأجهزة الإعلامية، لا تكاد تفرق بين المركز والشركة المنفذة للمركز، ولعلها لا تتبين الاختلاف بين الدولة والمؤسسات والشركات المنفذة لمشاريع الدولة. لم يكن لشركة بهذه المتانة الاقتصادية التي جعلتها تتصدى لهذا المشروع الحساس والهام أن تتهاون في دفع أجور العمالة لولا أن مثل هذا التهاون أوشك أن يكون جزءا من آليات العمل عند كثير من الشركات المنفذة للمشاريع، وما كان لمثل ذلك أن يحدث لولا تقصير الجهات الرقابية المشرفة على تلك المشاريع واكتفاؤها في أحسن الأحوال بمراقبة تنفيذ المشاريع دون أن تدرك أن الوفاء بحقوق العمالة شرط أساسي لتحقيق نجاح المشروع، وأن الفشل سوف يكون من نصيب أي مشروع تنهض ببنائه عمالة مهدرة الحقوق، سواء كان ذلك الفشل ماديا أو معنويا ينعكس على سمعة المشروع، بل سمعة الجهاز الذي يقوم به. إضافة إلى عجز الجهات الرقابية يمكن لنا أن نرصد غياب النظام الذي يحدد العلاقة بين الشركات المنفذة للمشاريع والعمالة فيها، أو غياب تطبيق النظام على أحسن تقدير وخاصة ما يتعلق بالعقوبات التي من المفترض أن يتم اتخاذها تجاه تلك الشركات المفرطة في حقوق العمال، وعلينا أن ندرك أن الاكتفاء بمحاولات الصلح التي تنتهي بدفع حقوق العمال وعودتهم إلى العمل تشكل أكبر إغراء للشركات بالتهاون في حقوق العمال، كما تشكل أكبر إغراء للعمال باللجوء إلى مثل هذا التصرف لضمان تدخل الجهات المسؤولة وحمايتها لهم من ضياع حقوقهم أو المماطلة في تسليمها لهم. وإذا ما أضفنا إلى ذلك البيروقراطية التي تقف وراء تسليم تلك الشركات لمستخلاصاتها المالية على ما تنفذه من مشاريع نكون أمام صورة متكاملة تفضي إلى تعطيل حقوق العمال، وتمنح الشركات المنفذة حجة لذلك التعطيل. توقف عمال الشركة المنفذة لمشروع الملك عبد الله المالي لم يكن الأول غير أنه ينبغي له أن يكون الأخير، ولن يتحقق ذلك إلا بسن نظام صارم للعقوبات يطبق بشكل صارم كذلك سواء على الشركات المماطلة في تنفيذ المشاريع، أو على الجهات المعطلة لحقوق ومستخلصات تلك الشركات، وإن لم يحدث ذلك فإن سمعتنا وذمتنا المالية سوف تكون موضع شك كبلد يؤسس لمشاريع بمئات المليارات ويعجز عن دفع رواتب العمالة الكادحة في تنفيذ تلك المشاريع. للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات ,636250 موبايلي, 737701 زين تبدأ بالرمز 165 مسافة ثم الرسالة