تغيرت مصافحة أمواج البحر لبنقلة جدة، أو سوق السمك، في وقت لم تنحسر المياه عن الشاطئ، لكن انحسر التعامل مع زبائن باتوا لا يعرفون السمك الطازج من المبرد. يعرف الصيادون تاريخ البنقلة الذي ارتبط بإرث أجداد وآباء رحل الكثير منهم منذ عشرات السنين، وبقيت المهنة التي تشغل بال أصحابها، بالكاد تمر عليهم مرور الكرام، لكنهم لا يستطيعون تمريرها بمحض إرادتهم. ويعرفون أيضا أن الآباء لطالما صافحوا كل صباح السوق المركزية حاملين ما يجمعونه في الهزيع الأخير من الليل الطويل، لبيعه، فيما السوق تلقف ما يأتي أيضا من السيارات المبردة القادمة من دول عدة منها اليمن والإمارات وعمان محملة بمئات الأطنان من الأسماك والجمبري. لكن الواضح في «البنقلة» أن السعوديين باتوا ينقرضون تقريباً سواء في مهنة الصيد أو حتى البيع، ولا ترى أمامك سوى أرتال بشرية من العمالة خاصة الآسيوية، ولا تعرف بالضبط كيف يعملون ويسيطرون على سوق تعتبر من أكبر أسواق السمك في المنطقة بيعاً واستهلاكاً. في مهنة الصيد يميل صيادو السمك في جدة إلى تحميل الأمانة مسؤولية عدم تخصيص مواقع لكي ترسو قوارب الصيادين بأسعار معقولة فيما أكد آخرون صعوبة مهنة الصيد والصبر الذي تستلزمه المهنة داخل البحر والخطورة التي عليها العمل خاصة في ظل ضعف إيرادها اليومي وتذبذبه في ظل ارتفاع الأسماك وعدم تفريق الزبون بين السمك الطازج من المبرد وغير الطازج مما يجعله يرفض شراء الأسماك الطازجة ذات السعر المرتفع ويقبل على الأقل سعرا وهي المبردة. كم أن إحجام السعوديين عن الحضور وتفضيلهم مبالغ مالية ثابتة جعلهم يسلمون المحلات للعمالة العم علي حكمي وصف ما يدار في السوق عبارة عن مافيا آسيوية تسيطر على مفاصل السوق في كل عمليات البيع والشراء حتى في الحراج الصباحي والذي يدخلونه في تكتل كبير بهدف الحصول على أكبر كمية من المعروض، مضيفا: منذ أعوام خلت كانت السوق ممتلئة بالسعوديين، وكانت نسبة الأجانب ضئيلة، ولكن بعد تلك الفترة انتشر الأجانب بصورة كبيرة، خصوصاً بعد توجه غالبية الصيادين السعوديين إلى تأجير محالهم للأجانب أصبح الأغلبية الموجودة هي لهم فقد استحوذوا على السوق بلا منازع وباتوا هم من يديرونه رغم محاولات إدارة السوق على إعادته لما كان عليه منذ أعوام إلا أن إحجام السعوديين عن الحضور وتفضيلهم الحصول على مبالغ مالية شهرية ثابتة جعلتهم يسلمون تلك المحلات للعاملين من الآسيويين والعرب. الصياد محمد مفتاح أكد أنه يجني أرباحا جيدة من البيع والشراء في البنقلة غير أن كبر السن وارتفاع أسعار المحلات داخل السوق اجبره على التخلي عن المهنة وهو يراها اليوم بين أيدي العمالة الآسيوية وقال كانت المكاسب كبيرة بل هائلة في تلك السنوات الماضية، أما الآن فالصياد السعودي يستأجر المحل ويسلمه إلى العمالة الوافدة مقابل أموال تمنح إليه في نهاية كل شهر ولا يعرف ما يبيعونه داخل ذلك المحل. مصارعة للبقاء كفة المنافسة بين فئة السعوديين العاملين في مجال بيع الأسماك من جهة، والأجانب من جهة أخرى أصبحت تميل بشكل كبير للأجانب لاستحواذهم على السوق، إلا أن السعوديين العاملين في هذه السوق وعلى رغم عددهم المحدود ما زالوا يصارعون وبكل قوة على إيجاد مكان لهم داخل أروقة السوق حاملين معهم هموماً وظروفاً مادية وأسرية صعبة من خلال مباسط صغيرة يجلسون فيها لبيع ما يحصلون عليه من خيرات البحر ليعودوا إلى أسرهم بما اكتسبوه على أمل رحلة جديدة في اليوم التالي لا يعرفون ما تحمله لهم من مكاسب.