تحت أشعة الشمس الحارقة وداخل أزقة سوق الندى بجدة تفوح رائحة القلي والشواء المنبعث من أحد محلات بيع الأسماك، الذي يعد أقدم محل لبيع السمك في جدة، وتحديدا بسوق الندى، فتنحرف أرجل القادم لهذا السوق نحو تلك الرائحة التي تثير الشهية لكي يتذوق اشهى أنواع الأسماك. عرف محل العم أحمد سليمان بتقديم الأطباق الشهية من سمك الناجل والجمبري والصيادية على مدى أكثر من 80 عاما. ويصادف الزائر للمحل صعوبة في ركن سيارته، فالاختناق الذي تشهده المنطقة التاريخية تجعل الباحث عن المأكولات الشعبية والأسماك مجبرا على ترك سيارته مسافة طويلة والسير في اتجاه هدفه. في إحدى زوايا المحل يقف فيصل ابن صاحب المحل أمام صاج القلي لكي يتولي الإشراف على تجهيز الاطباق المختلفة من الأسماك المطلوبة لدى زبائن محله، فتمر الصور أمام عينيه، والمواقف تدور بذاكرته، متذكرا أول يوم وقف مع والده في المحل والبهجة تعتلي وجهه. يقول فيصل "اشتهر والدي ببيع الأسماك الطازجة، حيث لدينا زبائن من خارج جدة من مكة والطائف والمدينة، ومن دول الخليج الذين اعتدنا على استقبالهم في الإجازات الصيفية، وأشهر الأسر في جدة كانت حريصة دائما على شراء الأسماك الطازجة من محل والدي". ويضيف فيصل "عمي صياد، وقد تعلمت منه أن مهنة الصيد ليست فقط مركب وسنارة، فعلى الصياد الماهر معرفة الأماكن التي تكثر بها الأنواع الجيدة من الأسماك، وكذلك أعماق البحار، وارتفاعاتها، ووجهة الرياح، وهذه الخبرة التي اكتسبتها منه". ويردد فيصل شاكيا "السفينة إذا كثر الربان غرقت، هذا حال مطاعم الأسماك في الوقت الحالي، فقد أصبحت محلات بيع الأسماك تتنافس بدون أن يكون هناك تميز، وحفاظ على الجودة والطعم"، مشيرا إلى أن ما يميز محلات الأسماك طريقة طهي الأنواع المختلفة، فلكل محل لقلي الأسماك طريقة تميزه عن المحلات الأخرى". ويعتمد فيصل في التجهيز على العمالة ذات الكفاءة المتخصصة في طهي الأسماك، ولم يترك مسؤولية الوقوف أمام الصاج الخاص للقلي لشخص آخر، ويعتمد في ذلك على نفسه، معللا ذلك بالخبرة التي اكتسبها من والده. وعن جلب الأسماك يقول فيصل "نقوم بإحضار الأسماك بشكل يومي بالاتفاق مع تجار معروفين بسوق البنقلة، ونختار منها الجيد، الذي يرغب به المستهلك، وهناك اختلاف في أسعار الأسماك حسب المواسم، فالناجل يباع حاليا سعر الكيلو 80 ريالا حسب سعر السوق، والهامور بسعر أقل، وهو في الجودة قريب من سمك الناجل والشعور، والجمبري تصل قيمته ما بين 50-60 ريالا للكيلو". وأضاف أن أكثر الزبائن تكون متذوقة لأشهى أنواع الأسماك، وتطلب مع الأسماك مقبلات خاصة تفضل تناولها مع أطباق السمك، فهناك من يفضل الأرز الأبيض، والبعض يفضل الصيادية، مع تقديم الطحينة التي تمتزج بطرق مبتكرة، وتضاف عليها بهارات خاصة نقوم بتجميعها لتعطي المذاق الشهي مع طبق الأسماك. ويؤكد فيصل أن مدينة جدة اشتهرت منذ القدم بتجارة الأسماك، وتضم أشهر مشايخ الصيادين كالشيخ مقبل محمد الجهني، كذلك عرفت منطقة في جدة بأنها حارة البحارة، وهي تقع على وجه التحديد في منطقة الرويس حاليا، لذلك ليس من الغريب أن ترى محلات بيع الأسماك في تنافس حاد لطرح أطباق مختلفة، لكن الاعتماد ليس على اختلاف الأطباق، بل على الجودة والطعم، فهما الفارق الوحيد بينهم.