راهن بدر حسن مهيوب (35 عاما)، والذي يعمل في مهنة عصر السمسم بعد أن ورثها عن والده، على أن مهنة عصر السمسم التقليدية لن تنقرض، كما يشاع، ولو على أقل تقدير في منطقة جازان. وعلل تحديه بالقول إن أهالي منطقة جازان وبعض المناطق الأخرى يفضلون زيت السمسم في الأكل؛ لأنه زيت نباتي طبيعي، ويرون أنه مفيد وصحي أكثر مقارنة بالزيوت النباتية الأخرى. وأضاف أن «هذا الزيت يستخرج من نبات السمسم البكر الذي تكثر زراعته في منطقة جازان، وله استخدامات مختلفة، من أهمها استخدامه كدهون للجسم لتليين البطن وعلاج آلام المفاصل، كما يستخدم في الطبخ، ويقدم مع التمر، وكذلك لقلي السمك، ودهن الشعر... وغير ذلك». وعن طريقة عصر السمسم، يقول مهيوب: عملية عصر زيت السمسم تعتمد أساسا على المواد الأولية المساعدة في استخراجه، وهي متوافرة ومأخوذة من البيئة نفسها، وأهمها «الجمل» الذي يدور حور المعصرة، وال«مهراس» وهو عبارة عن جذع شجرة له خاصية معينة أهمها الصلابة، و(المنحاز) الحجري الذي يستخدمه أهل منطقة نجد لهرس الغلال مثل القمح وغيرها، وجذع شجرة أجوف يوضع فيه السمسم المراد عصره، ولكل جزء من آلة عصر السمسم وظيفته التي عرفناها من الآباء والأجداد. ويشير محمد الزبيدي (44 عاما) إلى أن السمسم من المحاصيل الزراعية التي تنتج حبوبا تستخدم في الغذاء أو لاستخراج الزيت منه، وزيت السمسم يعد من أشهر الزيوت، وله فوائد غذائية وصحية كثيرة، وفي جنوب المملكة يحظى زيت السمسم الذي يسمى أيضا (السليط) بشعبية كبيرة، إذ يستخرج بواسطة معصرة خاصة يديرها في العادة جمل معصوب العينين، ويستخدم مع الأكل سواء مع التمر أو خبز الذرة، وهو يستخدم للأكلات الشعبية في المنطقة الجنوبية بكثرة، وبعض السمسم يزرع في جنوب المملكة خصوصا في جازان، وبعضه يستورد من الخارج خصوصا من السودان، ومن أنواعه الحب الأبيض والحب الأسود، وأجودها الحب الأسود. يعصر حب السمسم بواسطة معصرة خاصة عرفت منذ القدم وما زالت تستخدم حتى الآن، وتدار بواسطة جمل يستمر في الدوران لساعات حتى يتم استخراج الزيت، وهي عملية شاقة. ويضيف «رغم طول الوقت الذي يستغرق في استخراج زيت السمسم بالطرق التقليدية، إلا أن كبار السن يفضلون الانتظار لساعات طويلة للحصول على خلاصة زيت السمسم، فبعد استخراج زيت السمسم من المعصرة يتم وضعه في علب مخصصة لذلك ومن ثم بيعه، وسبب الاهتمام به لأنه نادر الوجود، لذلك فإن الكثيرين من أبناء منطقة جازان يحرصون على شرائه، وبخاصة السمسم الذي يتم عصره من النوع البلدي ذي الحبة الداكنة اللون، وهو معروف لدى الكثيرين من أهل المنطقة، ويتم تمييزه من خلال رائحته الزكية. وعن طريقة عصره بالتفاصيل، يقول الزبيدي: نقوم بوضع كمية من حب السمسم داخل الجذع الأجوف، ومن ثم توصيل حبل من «المهراس» الموجود داخل الجذع وربطه بالجمل المدرب «معسوف»، ليتولى العصر من خلال الدوران حول الجذع محركا المهراس بشكل دائري، فيتم العصر واستخراج الزيت نتيجة ثقل «المهراس» الذي يضغط على كمية الحبوب الموجودة داخل الجذع ليخرج بعد ذلك زيت السمسم على شكل قطرات تصب في إناء مخصص لذلك. ويلفت نظرك في هذه العملية ذلك الجمل الذي يقع على عاتقه مهمة العصر، وقد بدت على ساقيه آثار الحبال التي حفرت لها مكانا في جلده. وفي موقع آخر في أحد الأسواق الشعبية، وجدنا إبراهيم وشوقي، وهما لا يتجاوزان سن الخامسة عشرة يعملان في معصرة للسمسم، رفضا الحديث في البداية، إلا أنهما في الأخير قالا إن والدهما رجل طاعن في السن، وأنهما يعيناه في كسب لقمة العيش في أوقات فراغهما، ووجدا فرصة عمل في هذه المعصرة، فلم يمانع صاحبها من تعليمهما أسرارها وطريقة العمل بها، ويقولان إنهما الآن يجيدانها كثيرا ويسعدان بالعمل فيها.