في واقعنا اليمني تتشتت طاقة التكوينات المتنوعة سياسية واجتماعية وحتى اقتصادية وثقافية في صراعات بينية، والوضع الراهن رغم قشرة التوافق أشبه بحالة حرب الكل ضد الكل، وهذا الصراع يهدد بقاء الدولة، على مستوى الخطاب الكل يطالب بدولة قوية، والسلوك الفعلي يناهض وجودها، وتتركز المشكلة في أن كل طرف يسعى لتحويل الدولة إلى أداة لإشباع رغباته، فما زال الوعي القبلي محددا أساسيا في تحديد الخيارات ويبدو كالقدر لا مفر منه، وهذا الوعي يتعامل مع الدولة كغنيمة، لا قيمة عملية وأخلاقية لتنظيم المجتمع ليحقق غاياته. وقد أدى تركز القوة بأيدي المراكز التي راكمت القوة في ظل مجتمع خاضع لوعيه القبلي ومحاصر بفوضى ثقافية وسياسية وفقر موارد وخبرة ضائعة إلى انتشار فوضى مستدامة لم تمكن المجتمع من التحرر من القيود التاريخية التي يتم إعادة إنتاجها باسم القيم والمبادئ الحديثة لتغطية الوعي الغائر. الوضع في اليمن يتطور باتجاهات مناهضة لبناء هوية وطنية ودولة جامعة، وهذا سهل للمتنازعين أن يعملوا من خارج المؤسسات الرسمية الضعيفة وتوظيفها لخدمة مصالحهم الأنانية، ولم يكفها ذلك، بل إن طبيعة إدارة الصراع تفكيك بنيتها الهشة، وعادة ما تتوزع ولاءات من يدير تلك المؤسسات على الأطراف الأكثر قوة، فتصبح المؤسسة ملحقة بالصراعات لا أداة لضبطها وإعادة توزيع المصالح العامة بما يحقق العدالة والسلام. وتتعاظم الإشكالية يوميا، فالانقسامات خلقت سلطات متعددة فوق الدولة، وهذا جعل من بناء مركز مسيطر متحكم على المؤسسات شبه مستحيل ومع توزيع الوظائف العليا من خلال قسمة ظيزى بين المتنازعين حول مؤسسات الدولة إلى ملحقات بمراكز القوى تجلت بأشخاص أو تكوينات مدنية وأهلية. وكلما زادت الفوضى يتعاظم دور الوحوش المعرقلة لبناء الدولة، والأخطر أنها تخرج من بين أحشائها استبدادا مائعا بلا ملامح يجعل القانون فراغا مرتهنا لقوة قهرية غامضة. من الواضح أن التحولات الراهنة أضعفت من المسألة المدنية وأضعفت الدولة، وهذه بداية لتكاثر حالات التمرد في ظل دولة مائعة يتم توسيع الفساد في بنيتها، وهذا الوضع يساعد عدم الأكفاء على استغلال الأوضاع لصالحهم والاعتماد على القوى الفوضوية.