غزة تتحول إلى ضحية لمصالح الصراع الإقليمي المعقد، وتبدو كبوابة لمعالجة الأزمات التي تعيشها المنطقة في ظل ربيع محموم، وأصبحت مكانا لاستقبال الأزمات التي تتناسل في الدول الإقليمية بما في ذلك أزمات إسرائيل، وما يحدث في غزة أشبه بامتحان القدرة العربية على فهم المعادلات الجديدة التي تتم صياغتها من قبل القوى الدولية. والمراقب لابد أن يصل إلى نتيجة أن أحداث غزة الأخيرة محصلة طبيعية للتناقضات التي تعيشها الفصائل الفلسطينية، وارتهانها لمصالح الدول المساندة لها، ونتاج طبيعي للانتهازية التي حولت القضية الفلسطينية إلى بيدق مرتهن لمصالح الدول الإقليمية، وطاقة يتم توجيهها خارج سياق مصالح الشعب الفلسطيني. ومن المؤكد أن إسرائيل دولة متمردة لا تهتم إلا بمصالحها، واستمرار الفوضى وعدم الاستقرار في المنطقة يخدم استراتيجيتها. فالصراع الدائم في المنطقة حاجة إسرائيلية، ولديها خوف من السلام وتبحث عن مبررات لاستمرار القتل وسفك الدماء، وفتح جبهات القتال معها هي ما تتمناه حتى تستمر الدول الغربية في دعمها عسكريا. ولديها قناعة أن الحروب بين الحين والآخر هي الطريق الأسلم لبقائها في ظل ضمانات كاملة من القوى الغربية لحماية أمنها، واستمرار تفوقها العسكري. فالسلام بالنسبة لها يعني الحصار، وسيحولها إلى دولة عادية محاصرة بنفسها وتناقضاتها.. التحولات العولمية تؤكد أن الحرب لم تعد مجدية، ولا تخدم المنطقة في ظل التغيرات التي تنتجها حركة التاريخ العالمي، ومن جهة أخرى لا يمكن لغزة أن تنقذ ما يحدث من صراع بين الشعب الفلسطيني، ودولة إسرائيل في كل دورات الصراع في العقدين الأخيرين الذي يفضح خيارات الدول الباحثة عن معركة كبرى لإنقاذ نفسها من خلال التضحية بالشعب الفلسطيني، وتوريط العرب في صراعات عبثية. فإيران مثلا مهمومة بأمنها القومي، ونظام الأسد في ظل ثورة الشعب يبحث عن فتح جبهات لإنقاذ نفسه، وإسرائيل في المقابل تريد معالجة مشاكلها والقضاء على القضية الفلسطينية بتوريط الكل في أزمات مركبة غير قابلة للحل. لقد جرب العرب الحروب، وكانت نتائجها وخيمة ولم يستفد منها إلا الأعداء، واليوم هناك من يريد إنهاكهم. لا خيار أمام العرب إلا فرض هيبتهم ببناء استراتيجية كلية تحمي القضية الفلسطينية، وتفرض على إسرائيل السلام. وهذا لن يكون إلا بتوحيد إرادة الفصائل الفلسطينية، وإخراجها من ورطتها القاتلة التي جعلتها أداة لخدمة أجندة مناهضة لمصالح الشعب الفلسطيني.