وصلت إلى بريدي الالكتروني دعوة موجهة من شركة (تطوير التعليم القابضة) إلى مصنعي وموردي المواد الغذائية في المملكة للتأهيل المبدئي لتوريد المواد لبرنامج توفير الوجبات لطلاب وطالبات المدارس الحكومية. وهذه المرة ليست الأولى في توجيه مثل هذه الدعوات. فقد قررت وزارة المعارف أثناء الطفرة الأولى في السبعينيات من القرن الماضي الاقتداء ببعض الدول المتقدمة بإغلاق المقاصف المدرسية التعاونية واستبدالها بشركة توفر وجبة غذائية مجانية للطلاب في المدرسة وتمت ترسية العطاء حصريا على شركة واحدة عجزت فيما بعد عن الالتزام بشروط العقد وانعكس ذلك سلبا على خدماتها وذلك ما أدى لاحقا إلى تسمم عشرات التلاميذ من الوجبات المدرسية ووفاة بعضهم خاصة في المناطق النائية. وعادت المقاصف المدرسية التعاونية لتسد الفراغ من جديد قبل أن تلمع في رأس أحدهم فكرة شيطانية بإلغاء مقاصف المدارس التعاونية مرة أخرى وتسليم مقراتها حصريا لشركة واحدة تقوم ببيع الوجبات والمرطبات مدفوعة الثمن من الطلاب من بقايا ثلاجاتها المنتشرة في عدة مواقع في المملكة. واليوم تأتي هذه الدعوة للتأهيل من شركة (تطوير التعليم القابضة) التي يبدو أنها انتهت من تطوير التعليم لتتفرغ للوجبات والمبيعات من منتجات ألبان وعصائر ومياه مقننة (معبأة في قنينة) ووجبات خفيفة ومعجنات. ولا يهم الشركة بحسب دعوتها أن تكون المواد وطنية أو مستوردة فالمهم بالنسبة لها هو توفير المواد من أي مصدر كان. ولا أعرف إن كانت هذه الوجبات والمواد ستقدم مجانا للطلاب والطالبات هذه المرة أيضا أو أنها ستكون مدفوعة الثمن، ولكن ما يهمني في القضية هو القصف المتلاحق الذي يتعرض له المقصف المدرسي التعاوني منذ عدة عقود بتتابع لا يسمح لإدارات المدارس ولا للتلاميذ برفع رؤوسهم ومحاولة تطوير قدراتهم الذاتية في الادخار والاستثمار. نعم، إن المقصف المدرسي هو الخطوة المبكرة الأولى لتعويد المواطنين على السلوك الاقتصادي الرشيد. ويتضح ذلك من تجارب جيلنا المبكرة التي لا ننساها في المشاركة بالمقصف المدرسي والاحتفاظ بالحصالة المنزلية. كنا في بداية كل عام دراسي نستلف من والدينا أو أحد أقاربنا عشرة ريالات لندفعها اشتراكا في الجمعية التعاونية للمقصف المدرسي لتعود إلينا نهاية العام عشرون أو ثلاثون ريالا نعيد منها ما استلفناه ونحتفظ بالباقي الذي كان يعتبر في وقتنا كبيرا حد أننا لا ننفقه كله بل نحتفظ بجزء منه في الحصالة المنزلية التي نغذيها على مدار العام بالعيديات وباقي المصروف والهدايا لنشتري من متحصلاتها دراجة أو لعبة أو أي شيء نرغب في الحصول عليه. وإن قصرت مدخراتنا عن شراء ما نريد يساعدنا الأهل بباقي القيمة بعد التأكد من اجتهادنا بالادخار قدر المستطاع. لقد كان المقصف المدرسي مدرسة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، فمنه تعلمنا أن من يستغني عن استهلاك حالي يكافأ بمردود أكبر في المستقبل بمشتريات لا يمكن أن تسعها ملاءته المالية بدون ادخار. وتعلمنا أن المدير يعرف زملاءنا المحتاجين فيعمد مدير المقصف أن يعطيهم الوجبة والمشروب مجانا دون أن يشعر أحد بذلك. وتعلمنا توزيع العمل في المقصف على مدار العام على كافة الطلاب كعمل تطوعي غير مدفوع الأجر عدا وجبة ومشروب مجاني على سبيل المكافأة. وتعلمنا أن مدير المدرسة يمكن أن يستفيد من نسبة متفق عليها من أرباح المقصف لتلبية بعض الاحتياجات الضرورية للمدرسة وشراء بعض اللوازم لزملائنا المحتاجين. ربما يسخر البعض من مثل هذه التجارب الصغيرة ومردودها، ولكن ليعلم الجميع بأن جيلنا هو الجيل الذي مازال محافظا على اقتصاد البلد المحلي بتوازنه الاستهلاكي، وهو الجيل الأقل حملا للمديونية، والأكثر ترشيدا في استخدام كافة الموارد المتاحة للبلاد. وهو الجيل الذي تعتبر بصمته البيئية على موارد البلاد أصغر بصمة بين كافة المواطنين. ويبقى أن نعلم أن عدم تعريض الأبناء والبنات لمثل هذه التجارب الادخارية في الصغر ينتج مسؤولين لا يهتمون بأمور كبيرة أهمها أن معدل الاستثمار للناتج الوطني في الاقتصاد السعودي لا يتعدى (19,5%). وهذا يعنى أن نمطنا الاستثماري شبيه بمثيله في الدول المتقدمة كالولايات المتحدة التي ينخفض فيها هذا المعدل إلى (14,6%) وألمانيا (18,90%) وبريطانيا (16,7%). وذلك رغم أن وضع بلادنا التنموي يختلف كثيرا عن تلك الدول وكان يجب أن يكون أقرب لنمط الاستثمار في الدول النامية كالصين التي يصل فيها هذا المعدل إلى 50% وسنغافوره 41% وبعض دول مجلس التعاون التي لا يقل فيها عن 40% والأردن التي يبلغ فيها 34% . ولذلك أرجو عدم التقليل من دور المقصف المدرسي وحصالة التلميذ في بناء دعائم قوية لمستقبل باهر. وحتى لا يضطر وزير تجارة سعودي قادم أن يزور الكويت للتعرف على كيفية عمل الجمعيات الاستهلاكية التعاونية. فلو مر بتجربة المقصف والحصالة في الصغر لاكتفى بتجربته واستغنى عن التعلم من تجارب الآخرين. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 130 مسافة ثم الرسالة