إن كان هناك أية حسنة في قضية مستشفى عرفان بجدة، فهي أنها حركت المياه الراكدة في القطاع الصحي، وكشفت الكثير مما كان يخفى على الرأي العام والمواطنين. أصابت وزارة الصحة في قرارها بإغلاق المستشفى، بعد أن تعددت أخطاؤها التي نتج عنها العديد من الضحايا، وما خفي كان أعظم. وفي ضوء ما حدث، وما كتب، وردود الفعل، تبرز النقاط التالية: أولا: قدمت وزارة الصحة خطوة قوية بقرارها بإغلاق مستشفى خاص بهذا الحجم بسبب أخطائه المستمرة، منعا لتكرار هذه المآسى. والآن نأمل ألا يتوقف الأمر عند هذا، بل أن يقوم القطاع الصحي بالبناء على هذه السابقة، ومعالجة أوجه النقص في هذا القطاع الحيوى، وعدم التوقف عند هذه المبادرة فقط. ثانيا: أخطآ كل من ادعى أن إغلاق المستشفى استثنائي. نحن نتألم لشكوى أي مواطن من المعاملة غير الإنسانية في أي مستشفى، فما بالك عندما يقتل صبي بريء بسبب خطأ طبي بشع. وقد تكررت وتعددت أخطاء هذا المستشفى، وبلغ السيل الزبى، فكان ولابد من اتخاذ إجراء حاسم لوقف الإهمال واللامبالاة في دور الرعاية الصحية والمستشفيات. وربما أراد الله أن تؤدي وفاة هذا الصبي البريء بصورة غير مباشرة إلى إنقاذ حياة ألوف المرضى الآخرين من بعده. ياسادة، صحة المواطن وسلامته ليست محل المقايضة والجدل والتساهل. ثالثا: ادعاءات الطبيب المصري الهارب تدل على التهرب من مسؤوليته الأدبية. لو كان واثقا من براءته وإتقانه لعمله، لرفض السفر وأصر على الإدلاء بأقواله بكل أمانة وشجاعة لإحقاق الحق. أما هروبه فهو إدانة قوية له، وتصرف يدل على الخيانة، كما أنه تهرُّب من الإدلاء بشهادة الحق أمام الجهات المختصة. رابعا: تصريح الطبيب الهارب بأن المدير الطبي للمستشفى هو أمريكي بالتجنس من أصل فلسطيني أثار دهشتي، فالنظام ينص على أن يكون المدير الطبي المسؤول لأي مستشفى سعودي الجنسية. فكيف سمحت وزارة الصحة لهذا المستشفى بمخالفة النظام؟ خامسا: المستشفيات الخاصة هي في الواقع استثمار وطني مكلف. فقد قررت الدولة سابقا تقديم قروض طويلة الأجل ودون فوائد، تصل الى أكثر من خمسين في المائة من تكلفة إنشاء المستشفى، بالإضافة الى تسهيلات أخرى كثيرة، لكل من كان يرغب في إنشاء مستشفى خاص. وكانت الدولة تهدف بذلك الى مشاركة القطاع الخاص في توفير أفضل الخدمات الطبية لمواطنيها. ولكن بعض ضعاف النفوس من المستثمرين أساءوا استغلال هذا الكرم، واحتالوا في الحصول على تمويل مالي بأكثر من مائة في المائة من تكلفة بناء المنشأة مع تجهيزها، ثم وضع الفائض من التمويل في جيوبهم، وبذلك أثروا ثراء فاحشا. وعلى الرغم من ذلك لم يكن البعض عند حسن ظن الدولة، فقام بعضهم (ولا نقول جميعهم) بتقديم أسوأ الخدمات الطبية، واستقدام أرخص الكوادر حديثي التخرج من جامعات ومعاهد متواضعة، بالإضافة إلى تجهيزات عفى عليها الزمن. ثم بعد ذلك كله أصبح هؤلاء المستثمرون ليس فقط ملاكا لمستشفياتهم، بل وأيضا مدراءها والمشرفين عليها!! سادسا: لذلك يجب أن تقوم وزارة الصحة والحكومة بالفصل بين ملكية المستشفى الخاص وبين إدارتها، بمعنى أن يُمنع مالك المستشفى من إدارتها، وألا يُسمح له بتوريث إدارة المستشفى إلى أبنائه كما يحدث الآن، فغالبا ما يكون هؤلاء من غير المتخصصين في علم إدارة المستشفيات، فتكون النتيجة أن تتحول المستشفيات الى دكاكين عائلية للتجارة الصحية. سابعا: كل هذا لا يعفي وزارة الصحة من المسؤولية، فهي تصر على تركيز جميع مسؤوليات القطاع الصحي في يدها، مثل الترخيص، ومراقبة الجودة ووضع المعايير والإشراف على تطبيقها.. الى آخره. لذلك فالوزارة تتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية في أي تقصير أو خلل في عمل هذه المنشآت الصحية. ثامنا: لابد للحكومة من إنشاء هيئة مستقلة (لا تخضع لوزارة الصحة) لمراقبة الجودة في المستشفيات الخاصة والحكومية، ويسند إليها وضع المعايير والمواصفات للمنشآت والخدمات الصحية والمؤهلات الطبية والإشراف عليها، وتكون مسؤولة تماما عن التراخيص للمنشآت والعاملين في القطاع الصحي بكامله. والله المستعان. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 129 مسافة ثم الرسالة