المناخ المضطرب السائد في الرقعة العربية من المحيط إلى الخليج، وتذبذب الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية ساهمت في تنشيط سياسة هجرة العقول العربية إلى الخارج. ففي أمريكا، تتصف الجالية العربية بخصوصية الثقافة الواحدة، رغم اختلاف الجنسيات والأوطان، على عكس الشعب الأمريكي الذي ينتمي أفراده إلى وطن واحد، ويتفرعون إلى أصول ثقافية متعددة. وتنعكس هذه الخصوصية على واقع الدور العربي هناك، فعلى عكس ما ينظر إليهم المجتمع الأمريكي على أنهم جالية واحدة، هم في واقع الأمر ينقسمون إلى جاليات ينتمي كل منها إلى وطنه الأم، الأمر الذي جعل من دورهم على الساحة الأمريكية محدودا، وجهودهم في مناصرة قضايا الأمة مبعثرة. من هنا نشأت المعضلات في توحيد الصفوف والأصوات، فبدلا عن حضورهم في ائتلاف موحد يصنف إلى لوبي عربي، يستمد قوته من وحدة الكلمة والمصير، تجدهم شعوبا وقبائل وفقا للصراعات السياسية القائمة. ولو قمنا بمقارنة بين وضع العرب ووضع اليهود في أمريكا، نجد أن الفارق كبير وفقا لحداثة الوجود العربي، وعدم تجاوز ثقلهم الواحد في المائة نسبة إلى عدد السكان، إضافة إلى ضعف مستوى الاندماج مع المجتمع، بينما اليهود يعتبرون مواطنون أمريكيون، ساهموا في احتلال الأراضي العربية وإقامة كيان لإسرائيل. وعلى الرغم مما تحقق للجالية العربية هناك من إنجازات في العقود الماضية، غير أن العلاقة المهزوزة بين العربي الأمريكي ووطنه الأم، ولأسباب كثيرة ومتشعبة، قادته إلى الهجرة، وجعلته عاجزا عن اختراق أبواب الكونجرس المفتوحة لاحتضان اللوبي الإسرائيلي. وللواقع العربي المبعثر تأثير كبير على مسيرة الروابط والانتماء، بينما يرتبط اللوبي اليهودي مع كيان واحد هو إسرائيل، كما أن العنصر المرجح لكفة اللوبي الإسرائيلي هو سياسة الكيل بمكيالين، التي تتعاطي بها الإدارة الأمريكية، وإسهامها في الاعتراف بالكيان المحتل، ودعمه بصورة تنم عن أنها تستخدم هذا الوجود في المنطقة لتحقيق مصالحها الاستراتيجية، مقابل مساعدات ودعم منقطعي النظير، كما ارتبط ذلك بسيناريو السيطرة على المنطقة، وتقليص نفوذ الآخرين.