الذكرى والنصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أمور كثر الكلام فيما يشوب أساليبها أحيانا فلا تعطي ثمارها. التفكير الهادئ المتعقل في جميع الوجوه أولى من كثير الكلام الذي يبعد عن الصواب. مثلما نناقش أسلوب الإرشاد والنصيحة فلنناقش أحوال المخاطب الذي يتلقى النصيحة والتوجيه. إذا ما ابتعد المرء عن هوايته أو فنه أو عمله فالنتيجة هي ضعفه فيما كان يتقن. وإذا استمر في الابتعاد سينسى ويصيبه تردد وتضعف ثقته فيما كان يتقن، ثم تعتريه العزة بحالته الجديدة وينكر أهمية هوايته وعمله الأول ويرفض أن يذكره أحد. ومثله من يبتعد عن أسس الحياة من الاطلاع والمعاملة والنصح والاقتداء ويهجرها وينساها لدرجة أن يصير لا يبالي بضروراتها ثم ينفر ممن يحدثه فيها لأنه فقد اتصاله بها وإحساسه بأثرها، فلا يمكن أن يقبل أن الذكرى ضرورة وأنها طبيعة الإنسان الواجبة في إلقائها وفي الاستماع لها منذ وجد على الأرض، ولا أن يفهم أن النفع يكون بالتوجيه والتنبيه مثلما يكون بالمال والمتاع. فلينظر كل منا إلى نفسه، هل يصغي وينتصح مثلما يحب أن يقول وينصح؟ هل يعرف أن يحرك فيمن حوله بعمله وبعلمه الحس والالتزام بالأسس حتى لا يبتعد وينسى وحتى لا يحتاج هو ولا هم أن يكون بينهم وبين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جفاء ونفور لا ينفعهم بل يفسدهم ويفسد مجتمعهم؟ لمن لا يحسن إلا انتقاد أهل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أقول: هلا فعلت ذلك أنت؟ هلا أرشدت وذكرت وأريتنا علمك وقدرتك؟ ولم لا؟ لم لا؟ افعل بالقدوة وبالرفق، مع من تحب وتقدر، وسترى خيرا في نفسك وفيهم وتعالج ما كنت تنتقده، وتكون قد كفيت ووفيت.