يتذمر بعض الأشخاص من النصائح الموجهة لهم، بل وقد ينظرون إليها تدخلاً واضحاً في شؤون حياتهم، ويرجع سبب ذلك إلى الأسلوب الذي استخدمه الناصح، أو قد يكون بسبب الوقت الذي قُدمت فيه النصيحة، وهنا لابد أن يعي المجتمع أن للنصحية فناً لا يُتقنه إلاّ القليل، من خلال قربهم من أصدقائهم أو زملائهم أو حتى أقاربهم!. وعلى الرغم من أهمية النصيحة وتأثيرها الإيجابي على الأفراد، إلاّ أنه من المهم التركيز على بعض الجوانب مثل التأكد على أنها ستقود إلى منفعة، كما أنه من المهم أن تكون بالسر وليس بالعلن، إضافةً أهمية أن يظهر الناصح بالهدوء، وأن ويختار الوقت والمكان المناسبين، إلى جانب مراعاة الظروف المحيطة بالمنصوح. "الرياض" تطرح الموضوع عبر هذا التحقيق. نصيحة وهجران في البداية قالت "نادية": إن إحدى صديقاتها كانت قاسية جداً مع السائق، إلى درجة لا يمكن وصفها، مضيفةً أنها نصحتها كثيراً، وقلت لها إنه إنسان ولا يجوز أن تعاملينه بهذه الطريقة، مشيرةً إلى أن صديقتها قاطعتها بعد تلك النصيحة، مؤكدةً على أنها ليست نادمة أبداً، وأن ما فعلته لإرضاء الله، وهو من باب الخير. واتفقت معها "هند عامر" قائلة إن غالبية المجتمع للأسف لا يجيدون فن النصيحة. وأكد "د.إبراهيم العسيري" -راق شرعي ومتخصص في علم النفس- على أنه سبق وحدث معه موقف كاد أن يخسر فيه صديقه؛ بسبب أنه قدم له نصيحة أراد بها توجيهه إلى الحق وابتعاده عن بعض الأمور السلبية، مشيراً إلى أنه على الرغم من تغير علاقتنا إلاّ أن ضميري مرتاح جداًّ؛ لأني لم استمر في مجاملته على ما هو عليه من خطأ، والجميل أنه انتهى عما يفعله رغم بعده عني!. جرح وكرامة وقالت "آلاء العلي": خسرت صديقتي حين نصحتها أن تخفف من وزنها، خوفا على صحتها، لاسيما وهي في المرحلة الجامعية، وعادةً ما تهتم الفتيات بأجسامهن، غير أن خوفي هذا وحرصي عليها لم يشفع لي عندها، حيث اعتبرت ما قلته لها جرحاً لكرامتها، وتدخلاً في أمر لا يعنيني، بل واعتبرته "فظاظة" مني، مبينةً أنه لم تعد بعدها تكلمني وقطعت علاقتها بي نهائياً، رغم أننا صديقات من أعوام طويلة. وأوضح "عبدالله نصار" -باحث زراعي- أنه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "رحم الله امريء أهدى إلي عيوبي"، مضيفاً أن بعض الأمثال له تأثير سلبي على المجتمع مثل "النصيحة فضيحة"، حيث يتداولها الناس على الرغم من أنها قيلت في ظروف معينة، وبالتالي تأثر بها بعض الأشخاص، ومن ثم قبلها المجتمع، مبيناً أن النصيحة تُعد فضيحة في حالة واحدة فقط، وهي إذا قيلت أمام الملأ وصاحبها لديه أسلوب منفر ولغة جافة. وذكر "محمد البخناني" أن النصيحة لغة الأنبياء في القرآن الكريم، وقد وردت كلمات بهذا النص مثل: "ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين"، مضيفاً أن النصيحة تُعد من أساسيات ديننا الحنيف. صدر رحب وأكد "خالد بن محمد" على أنه يجب اختيار الوقت المناسب للنصيحة، دون تجريح أو تهميش أو تقليل من قدر الآخر، مضيفاً أن النصيحة تحتاج إلى فن ومهارة وليس الجميع يستطيع تقديمها، مشيراً إلى أنه يتقبلها بصدر رحب، حتى لو لم يعمل بها، بل وأشكر صاحبها؛ لأن نيّته هي حب الخير، بصرف النظر عن أي قصور فيها أو أسلوب خاطئ. وقال "د.أحمد العويس": خلق الله الناس مختلفين، وبالتالي فإن التعامل يختلف باختلافهم، فالإنسان الخيّر الطيب يستحق النصح، بل هو واجب علينا له، ويجب من وجهة نظري تكرار النصح دون ملل، بل قد يتطلب الأمر أحياناً الضغط عليه وتقريعه؛ لأنه خيّر، مضيفاً أنه لا يليق بنا وبما هو عليه من أخلاق أن يفسد على نفسه الخيرة والطيبة ببعض التصرفات التي ينبغي أن يترفع عنها، مشدداً على أهمية العمل على تقويم اعوجاجه رغماً عنه، ولا يبقى لنا سوى أن نستمر بالدعاء له، مشيراً إلى أنه فعل ذلك مع صديق عزيز وقد غضب مني، ولكنني لم أيأس وبقيت في نصحه حتى تغير فعلاً وضبط نفسه، ذاكراً أنهم مازالوا أروع الأصدقاء بفضلٍ من الله، مبيناً أن هناك أُناساً فيهم من السوء ما يجعل تقديم النصح إليه وبالاً عليه، وهؤلاء أناس لا يستحقون النصيحة، حتى وإن طلبوها، بل وليس لهم من حق علينا سوى الدعاء. مراعاة الظروف وأوضح "د.العويس" أن هناك من لا يستطيع التنبؤ بردود أفعالهم، وهؤلاء يمكن تجريب النصيحة معهم، فإن أفضت إلى نفع فلا بأس من الاستمرار بتوجيه نصائح أخرى، مادام النفع يتحقق، ولكن إن حدث العكس، فالأجدى هو عدم تقديم النصح إلاّ لمن يطلبه منهم، لافتاً إلى أنه وفي جميع الحالات للنصيحة شروط يبتغي معرفتها وينبغي الإلتزام بها؛ وأهمها أن يتأكد الناصح ما استطاع أنها تشوبها منفعة له، وهذا هو السبب الحكيم وراء أهمية أن تكون النصيحة بالسر وليس بالعلن، وهناك شروط أخرى لا تخفى على العقلاء كالهدوء واختيار الوقت والمكان المناسب ومراعاة الظروف المحيطة بالمنصوح. ورأت "سعيدة المنصور" -معلمة للمرحلة المتوسطة- أن الشخص الذي يقدم النصيحة يجب أن يكون على علم ودراية تامة بأنماط الشخصية المختلفة، وكذلك أصول الحديث ومهارات الاتصال؛ لأن عدم اختيار الوقت المناسب أو الفرصة المناسبة لتقديمها غالباً ما يؤدي إلى سوء فهم ربما يتسبب في قطيعة دائمة بين الناصح والمنصوح، ناهيك عن أن البعض ربما تأخذه العزة بالإثم فيتمادى بالخطأ أكثر من السابق، مبينةً أن الإلحاح بالنصيحة أمر سلبي يساعد على التمادي في الخطأ. خبرة وقبول وعلّقت شقيقتها "سامية المنصور" قائلةً: المسألة من وجهة نظرى نسبية وشخصية جداًّ، ولن أقدم النصيحة إلاّ لمن يطلبها، أما تقديمها هكذا تطوعاً فهذا أمر مرفوض -حسب قولها-، مشيرةً إلى أن ذلك يُعد تطفلاً والدخول فيما لا يعنيها، بل وتجاوز حدود اللباقة، مؤكدةً على أن النقد أمر غير فعّال، ويفسد العلاقات مهما بلغت أريحية المتناصحين. سبب مشاكل وأوضح "د.عبدالرزاق كسار" -مستشار أسري ومدرب التنمية البشرية- أن النصيحة تتسبب في الكثير من المشاكل للناس وذلك في ثلاث حالات؛ إذا كان من يقدمها ليس أهلاً لتقديمها، أو إذا قُدمت بطريقة خاطئة ك"قسوة" أو "تشهير" أو "تشفي"، أو إذا قُدمت دون معرفة بظروف الشخص الذي يحتاج النصيحة، مضيفاً أن ذلك يقود إلى معرفة شروط النصيحة وهي؛ عند تقديم النصيحة لابد من النية السليمة، وكذلك معرفة الأعمار والأوقات والأحوال والنفسيات والأماكن، إلى جانب مدى القبول الذي يملكه الشخص الناصح، ومدى الخبرة التي يمتلكها في المجال الذي يدلي فيه بنصيحته، أيضاً لابد أن تتم النصيحة في السر وليس أمام الآخرين. قال الشاعر: تعهدني بنصحك في انفراد وجنبني النصيحة في الجماعة فإن النصح بين الناس نوع من التوبيخ لا أرضى استماعه فإن خالفتني وعصيت أمري فلا تجزع إذا لم تعط طاعة حسن الظن وذكر "د.كسار" أنه بحكم عملي بالاستشارات وجدت أن كثيراً من المنازل هُدمت بسبب نصيحة شخص غير مؤهل، مضيفاً أن هناك فرقاً بين النصح وبين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فالنصح غالباً ما يكون خاصاً لمن تعرف وسراًّ وحين يطلب منك، بينما الأمر بالمعروف عكس ذلك تماماً في الغالب، محذراً من أمر شائع وهو لجوء الشخص لمن يحب ليطلب منه النصح، وأعلم أن الكثير من الأسر تقوضت بسبب نصيحة أم أو أخت أو صديقة أو أخ، مؤكداً على أنه ليس كل من يحبنا يمتلك أدوات النصح، ربما يكون حبه لنا سبباً في نصحه الجائر، مشدداً على ضرورة تذكير الأخوة الناصحين بأن لا يتخلوا ولو لثوان عن الرفق وحسن الظن، وذلك اقتداءاً بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم. هناك من لا يُتقن كيفية إيصال النصيحة