يعتقد "تركي" أن أغلب الأصدقاء الذين يختلط بهم في محيط أسوار الجامعة ليسوا بمستوى يمكن له أن يأخذ منهم النصيحة، وهو يشترط لقبول النصيحة عدة صفات، أن يكون الشخص مؤهلا لإسداء النصيحة متمتعا بالخبرة الحياتية، وأن يكون كبيرا في السن، سواء من محيط الأسرة أو الأقارب، وأن يكون ناجحا في حياته، بحيث يشفع له هذا النجاح في أن يقدم لأي شخص نصيحته. يقول السبعيني مخلف نومان الشمري" والملقب ب"أبو عادل "في قديم الزمن كانت النصيحة تشترى بجمل حسب ما يذكر، أما الآن فالنصيحة ينظر لها البعض على أنها فلسفة خارجة عن اللازم، والبعض ينظر إلى الشخص الناصح من كبار السن بأنه "حشري" أو "ملقوف" إذا ما أراد تعديل أي سلوك غير سوي يراه أمامه. ويضيف : "لا أحد يجرؤ الآن على تقديم النصح والإرشاد لبعض من الشباب خاصة من فئة المراهقين خوفا من أن ينهالوا على الشخص الناصح بألفاظ وعبارات هو في غنى عنها. ويتابع أبو عادل قائلا: "بعض من الأشخاص وخاصة الأبناء يستهجنون النصيحة، خاصة إذا ما قدمت من قبل الأبوين، رغم أن تلك النصيحة مقدمة بدافع فرط الخوف عليهم وعلى مستقبلهم، وقد يصفون نصح الوالدين بالتدخل في شؤونهم الخاصة، ويترجمونها حسب أهوائهم، ويرون أنها تقف عائقا أمام تحقيق آمالهم وطموحاتهم، ويؤكدون أنها نتيجة لهاجس الخوف والقلق على مستقبل الأبناء دونما أي مبرر. وترى عائشة الحسين (مشرفة تخصص تربية إسلامية) "إن الشرط الأساس في الشخص المؤهل للنصح والإرشاد هو مخافة الله، فإذا كان الشخص كذلك فإن عدة أشياء تترتب على هذه المخافة منها الصدق، والأمانة، والمصداقية في النصح، وأن الشخص الناصح يحب لأخيه المنصوح ما يحب لنفسه. وتضيف "قد يكون هناك أشخاص سواء في بيئة العمل أو خارجها لا يكونون بالمستوى الذي يشجع الشخص على التماس النصيحة منهم وقبولها، وقد يكون هناك فئة من الناس عرف عنها الصدق والإخلاص في نصائحهم إما لكبرهم في السن أو خبراتهم الحياتية، أو من أشخاص ذوي النجاحات المتتابعة أو المخلصين في أعمالهم". وعن الأسباب التي تجعل من الشخص يرفض النصيحة تقول عائشة: "الأسباب كثيرة، ومن أهمها عدم اختيار الوقت والمكان المناسبين بالنسبة للناصح، كذلك الفوقية في إسداء النصيحة، وعدم التواضع، أيضا كثير من الناس يدعون الحرية الشخصية ويعتبرون الناصح يتدخل في شؤونهم الخاصة وغالبية هؤلاء من فئة المراهقين". في المقابل ترى رفعة الفياض (ربة منزل) أن كبر السن لا يكون مقياسا ومسوغا لقبول النصيحة، وتقول:"كثيرا ما أستمع لنصائح ابنتي في المرحلة الثانوية إذا ما حدث خلاف بيني ووالدها، ودائما اتبع الطرق التي تحددها لي للبدء بالصلح وجميعها طرق ناجحة". وأكدت اختصاصية علم الاجتماع عنود السالمي "أن النصيحة أهم ما يميز المجتمعات الإسلامية عن غيرها، وتعتبر معلما بارزا من معالم المجتمع الإسلامي، ولها أثر عظيم، وبها يتحقق معنى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإذا ما نهج الشخص النهج السليم في النصيحة، فإنه بذلك يساهم في تطهير المجتمع من السلوكيات غير السليمة". وتتابع قائلة: "لا بد وأن يبتعد الناصح عن بعض الأساليب التي قد تغير من معنى النصيحة، فتأتي النتائج المرجوة عكسية سواء على الفرد والمجتمع، ومن بين تلك الأساليب أسلوب التشهير، والنصح على مرأى ومسمع من الناس، فلا بد من احترام المنصوح، وأن تقدم له النصيحة في السر، كذلك على الشخص الناصح أن يبتعد عن أسلوب الأستاذية والفوقية عند تقديم النصيحة، حتى تؤتى ثمارها، وننعم بمجتمع مترابط".