الآن.. والآن فقط يحق لنا أن نزداد خوفا وقلقا على الكرة السعودية، بعد أن أضاف فريق الأهلي رقما جديدا في سجل الإخفاقات الكروية السعودية في المحافل الدولية.. ويبدو أن هذا السجل مفتوح إلى ما لا نهاية لتسجيل المزيد من الأرقام.. المزيد من الخيبات.. المزيد من الآلام! ويجيء هذا الفشل الجديد متزامنا مع اقتراب موعد توديع عام جديد «بالهجري والميلادي»، وبعد أن أصبحت تفصلنا عن تاريخ آخر إنجازاتنا الكروية أعوام طويلة.. مثقلة بالآلام والخيبات والصدمات.. وهنا يبرز السؤال بإلحاح: هل انقطعت علاقاتنا بالإنجازات الكروية ؟ كانت الهزيمة الأهلاوية صدمة.. خسارة اللقب صدمة.. المستوى الباهت صدمة.. النتيجة الثقيلة صدمة.. وكانت الصدمة الأهلاوية.. حكما صدمة وطنية بامتياز ! رؤوسهم .. وأقدامنا بدا للمشاهد منذ اللحظات الأولى أن الكوريين يلعبون برؤوسهم والأهلاويين يلعبون بأقدامهم.. وكانت رؤوس نجوم أولسان الكوري مخيفة وخطيرة.. مع أن الكرة كانت من المطاط والهواء فكيف سيكون حالنا معهم لو أن الكرة إلكترونية ؟ وماذا كان سيفعل بنا هؤلاء .. ؟ الحقيقة أن المباراة أكدت مجددا أن كرة القدم ليست مجرد عرض جسدي .. عضلي.. وإنما هي فلسفة تعبر عن طريقة التفكير والعمل لدى شعب من الشعوب.. ولهذا السبب أعتقد أن يستمر ويتزايد تفوق الآسيويين علينا .. عاما تلو الآخر.. وبطولة عقب أخرى! وأمام الرؤوس الكورية الحامية.. وأقدامهم السريعة.. كانت أقدام الأهلاويين مثقلة بروح الهزيمة.. وثقيلة جدا ومرتبكة.. وبعد انتصاف شوط المباراة الأول التفت على الأصدقاء وسألتهم : أين الأهلي ؟ ولم نعثر عليه في هذه المباراة حتى آخر دقيقة.. تمزق الأهلي وتمزقنا.. تساقط الأهلي فتساقطنا.. أجل تساقطنا !! وبغض النظر عن المستوى الذي ظهر به الفريق الكوري، كان الفريق الأهلاوي منذ البدء تائها، وممزقا، وعندما استقبلت شباكه «رصاصة الرحمة» الهدف الثالث.. تداعى نهائيا.. وحمدنا الله على أنها ثلاثة فقط.. يا للحزن. حسابات الأهلي الخاطئة وكانت هذه الهزيمة القاسية حصيلة جملة من الأسباب في مقدمتها المستوى القوي الذي ظهر به الفريق الكوري وتمكنه من بسط هيمنته المطلقة على المباراة واستلامه زمام اللعب والمبادرة فيها، في المقابل كان من الواضح أن الفريق الأهلاوي دخل المباراة بحسابات كثيرة خاطئة، ومع مرور الوقت وولوج أول الأهداف كان لاعبوه يكتشفون خطأ حساباتهم دون أن يكون بمقدورهم تغيير شيء.. فتباعدت خطوط الفريق.. وغاب الهجوم عن تسجيل أي فاعلية حقيقية.. فقد كان عماد الحوسني وفيكتور سيموس وتيسير الجاسم ووليد باخشوين في أسوأ حالاتهم.. وكثرت الأخطاء الفردية في جميع خطوط الفريق خصوصا الدفاع «المشكلة الأهلاوية المزمنة» لا سيما وأن عناصر هذا الخط تحملوا عبء المباراة.. وفضلا عن ذلك بدا مدرب الفريق جاروليم مكتوف الأيدي وبلا حيلة أمام خصم يستخدم رؤوس لاعبيه الحامية، لا أقدامهم فقط ! ويبدو أن حال جاروليم خلال المباراة ليس أفضل من حال لاعبيه.. وهو أقر في تصريح صحفي عقب الهزيمة «إن النتيجة أثرت على التكتيك الفني».. وبمعنى آخر أن أوراقه تبعثرت ولم تصمد أمام الرياح الكورية العاتية.. وهو ما لم يقله جاروليم .. وبالطبع لن يقوله. نقاط الضعف ورغم المستوى القوي الذي ظهر به فريق أولسان الكوري في هذه المباراة واستحقاقه الفوز بها عن جدارة إلا أن الفريق لم يكن بدون أخطاء، وهو أيضا لم يكن بدون نقاط ضعف فنية، لكن الفارق هو أنه في الوقت الذي نجح مدرب الفريق الكوري في استثمار معظم الأخطاء الأهلاوية وترجم بعضها إلى أهداف.. واستغل ببراعة نقاط الضعف الصارخة في الفريق الأهلاوي فإن مدرب الأهلي في المقابل لم يستطع استغلال واستثمار أخطاء ونقاط ضعف فريق أولسان الكوري.. وهذا في اعتقادي أحد عناصر التفوق التي قادت إلى النهاية السعيدة للكوريين. ولكنه يبقى إنجازا وإذا تخلينا عن عواطفنا، وأحلامنا، وآمالنا، وبعض غرورنا، وتعاطينا مع الحدث بواقعية، سنكتشف الحقيقة التي لا ينبغي تجاهلها، أو محاولة القفز فوقها، وهي أن الكرة الشرق آسيوية تطورت كثيرا، وتجاوزتنا كثيرا، وأصبحت تمتلك كل عناصر النجاح والتفوق، وهي العناصر التي لم تعد متوافرة لنا بنفس القدر، وهذا هو ببساطة السر في تفوق الكرة الآسيوية علينا في العقد الأخير، إن على مستوى المنتخبات أو على مستوى الفرق، وهي مرشحة في العشر السنوات القادمة لتوسيع الهوة التي تفصلنا عنها، وانطلاقا من هذه النظرة الواقعية القاسية بلا شك ينبغي النظر على أن وصول الفريق الأهلاوي للمباراة النهائية وتحقيقه حكما المركز الثاني آسيويا هو يعد إنجازا كرويا يحسب له وبالنتيجة للكرة السعودية.. ووفق نظرة متشائمة وسوداوية قد لا يصبح مثل هذا الإنجاز في متناول أيدينا في المستقبل عندما تستكمل الفرق الشرق آسيوية بسط هيمنتها وتفوقها على الكرة في القارة الصفراء! الأهلي يعود شابا ومن الملامح المضيئة لمشوار الفريق الأهلاوي في هذا الموسم وعلى وجه التحديد في المعترك الآسيوي هو اعتماده على مجموعة من العناصر الشابة التي استطاعت وبشكل يثير الإعجاب أن تتكامل مع عناصر الخبرة في الفريق وتصنع هذا التحول المثير في الفريق وتسهم بشكل مؤثر في إعادة الأهلي إلى واجهة الكرة السعودية وحكما إلى مواسم الفرح والانتصارات التي غاب عنها الأهلي لسنوات طويلة.. ولفتني تصريح رئيس النادي الأمير فهد بن خالد عقب المباراة وهو يقول بواقعية وثقة: «أطالب الجميع بدعم اللاعبين وعدم القسوة عليهم فهم مكسب حقيقي للأهلي خلال السنوات القادمة، وأكرر اعتذاري للجماهير السعودية والأهلاوية ونعد جماهيرنا الوفية بالعمل المتواصل والجاد حتى يواصل الأهلي حضوره القوي في جميع المسابقات المحلية والقارية». الرسالة الكورية والرسالة الصارخة التي يمكن التقاطها من النهائي الآسيوي هي تأكيد فرق ومنتخبات شرق آسيا مجددا نهاية حقبة تفوق فرق ومنتخبات غرب القارة، وإعلانها أن حقبة جديدة في الكرة الآسيوية بدأت منذ سنوات وهي تترسخ وتتجدد عاما بعد آخر عنوانها التفوق المطلق لكرة الشرق مقابل تراجع وانكفاء لكرة غرب القارة، فماذا نحن فاعلون ؟ وهل وصلت الرسالة بنفس الوضوح لصناع القرار في رياضتنا السعودية ؟ وهل يدركون جيدا أن تفوق كرة شرق آسيا سيكون في النهاية بمثابة الجدار الذي سترتطم به كل أحلام وآمال جماهير الكرة السعودية بوصول فرقنا ومنتخباتنا الوطنية للمحافل العالمية، وهذا له تداعيات كثيرة وخطيرة على مجمل مكونات الحركة الرياضية السعودية.