في اللحظة التي يبدأ فيها الحديث عن الحب، تسري في المكان شحنة كهربائية ساكنة، وترتسم نصف ابتسامة خجلى على الشفاه، وتتهيأ الآذان لالتقاط ما يمكن التقاطه من قصص وتجارب وأسرار. هناك من يبحث في ذلك الحديث عن قصة شبيهة بقصته ليشعر بأنه ليس وحيدا في تجاربه، وهناك من يبحث فيه عن بوصلة تأخذ بيده نحو النهاية المشرقة، في المقابل، هناك من يبحث عن نقاط التقاء يقترب من خلالها أكثر أو يدعم قرارا اتخذه مسبقا. وبالرغم من قوة الحضور الذهني لكل من يستمع لذلك الحديث الذي يحفه السحر، إلا أن الذكرى تنجح دوما في إضعاف تلك القوة، بصور تخفي سرورا أو ألما أو حنينا. لكن تلك الصورة التي تجسد جمال الحب ولهفة الكثير لمعرفة كيفية استشعاره والاستعداد الظاهري لتعلم الطرق المثلى لتطبيق آدابه وفنونه وقواعده، قد خدشت بحقيقة كوننا نعيش موسما من مواسم الجفاف! مواسم الجفاف لا تحتاج إلى براهين، فآثارها تظهر جليا لكل من أطرق سمعه لما يسرد من حوله! فالملاحظ هو أن الكثير يجيد التحدث عن الحب بمختلف أشكاله وأنواعه، ويتقن تكنيك سرد القصص العاطفية، ويتفنن في رسم صورٍ ذهنية عن الطرق الأكثر تلألؤا وبهاء لترجمة ذلك الحب للآخر، لكن حين يأتي دور التطبيق لا يبقى سوى الرماد! ولا أعلم لم يتم التركيز على التنظير أكثر من التطبيق، رغم أن الحب لا تترجمه سوى الأفعال! ولا أتحدث هنا عن الحب بين الرجل والمرأة فقط، بل بمعناه المطلق! تتباين أسباب تلك المواسم باختلاف المرجعية والتنشئة والثقافة المجتمعية التي تؤثر فينا مهما كابرنا، ولن ننسى بأننا جزء لا يتجزأ مما يعيشه العالم الإنساني من حولنا، لكن اليقين التام بأن ما بعد مواسم الجفاف القاحلة هي دوما مواسم خضراء ناضرة وناعمة، وبأن أفعالنا الجميلة ونوايانا الطيبة ترتد إلينا ولو بعد حين، هو ما يخلق فينا قوة الصمود. أختم مقالي بقصة قصيرة تقول: أحبته حتى أوشكت على الموت في حبه غرقا، مد يده إليها لينقذها بعطف، فجذبته نحوها لتغرقه في بحر حبها وتتملص منه، تاركة إياه خلفها يتعذب، لكن قلبها المثقوب خذلها.. فغرقت هي، وساقه قلبه نحو شاطئ حب جديد. [email protected]