اختلافنا الشكلي أو الجوهري لا يعني أبدا انعدام نقاط الالتقاء التي تجمعنا، سواء من خلال تكويننا كبشر أو ككائنات حية تملك خاصية الشعور، إلا أن ترجمة ذلك الشعور إلى أفعال تعبر عنه بشكل لائق ليس بالأمر الهين!. فنحن نعبر بطريقة تلقائية قد نراها صحيحة، في حين أنها جارحة ومؤلمة لغيرنا، وبذلك يبدأ صراع طويل بيننا وبين الآخر قد ينتهي بكلمة أو اثنتين، وقد يستمر لسنوات ويصبح كالنار تحت الرماد، ينتظر نظرة غير مقصودة لينفجر كالبركان! قد يكون السبب أننا ننسى أحيانا بأننا نتقاسم الذنب مع الآخر في خلافاتنا، خصوصا أقرب الناس إلينا. فنحن نفترض بأنه يفهمنا كما نفهمه ونتألم حين يبدي العكس، وبالتالي لا نقوم في المجمل بأي جهد لشرح أو تبرير ما نتخذه من مواقف أو ما نقوم به من أفعال، ظنا منا أنه لا حاجة لذلك، فيستشيط الآخر غضبا؛ ظنا منه أننا نتعمد تجاهله أو إيذاءه.. هنا ينتهى الحديث، وتبدأ القصة! «يزن» شاب في الثلاثين، حساس ويهوى الرسم، وتربطه علاقة مميزة بوالده، وزيادة على صداقتهما الجميلة، فقد التحق بالعمل في نفس المنشأة التي يعمل بها أبوه، وبذلك اكتست تلك العلاقة رونق الاحترام والزمالة والارتباط، ولم يكن هناك أي ثغرة قد تؤدي إلى بناء الحواجز بينهما، لكن شخصية «يزن» الحساسة تدفعه أحيانا ودون قصد لارتكاب أخطاء لا يلقي لها بالا! وهذا ما حدث بالفعل حين اقترب موعد المعرض الفني الخاص به، والذي سيقام لأول مرة. فأخذ القلق من الفتى مأخذه، وشعر بضغط نفسي كبير لأنه لم ينته بعد من لوحتيه الأخيرتين، فقل تفاعله مع ما يحدث في منزله، وانعزل في مرسمه لأيام يصارع مزاجه المتقلب وضيق الوقت ويؤثر الصمت. وفي المقابل، ظن الأب أن ابنه يؤثر هوايته على مجالسته، وبأنه يخفي أمرا ما في نفسه، فشعر بالحزن وانفجر في وجهه في لحظة ضجر! هنا أقول: في ظل ما يحيط بنا من ضجيج، وما يدور في دواخلنا من صراع بين ما نسعى لتحقيقه وما يعوق ذلك، نشعر بحاجة مستميتة إلى الصمت الذي يمنحنا الصفاء الروحي والذهني، لكن الأهم ألا يصبح صمتنا خنجرا يدمي قلوب من نحب. [email protected]