«لم أشعر بالوحدة بعد رحيلها بقدر ما أحسست بالهدوء والسكون الذي التف من حولي كغطاء يحميني من برد الكلام وغزو الأصوات والضحكات التي كثيرا ما تتطور لتصبح مجرد قهقهات فارغة. كنت أفسح لها المجال لتتحدث متى أرادت، والتزمت بالقول المتداول (الصمت أبلغ لغات الكلام)، ليس حرصا مني، ولكن لكوني لا أجيد التحدث بقدر ما أتقن فن الإنصات والتفكير. عشقت الإبحار في عينيها، وتأمل الإشراق الذي ينبعث منهما، وتلك البهجة التي ترتسم على محياها وهي تقص علي بلهفة أحداث يومها الطويل، وبالتفصيل المزعج! سواء وجها لوجه أو على الهاتف أو على الفيس بوك! وبالرغم من أني تلميذة متميزة بل ومتفوقة في مدرسة الإصغاء، إلا أني لم أتمكن من الاستمرار معها، ولم يكن لأناقتها الكبيرة أو لثقافتها الواسعة أو لحبها لي ذلك التأثير السحري على قراري الذي اتخذته عن اقتناع تام.. فافترقنا!».. إلى هنا تنتهي القصة! بعد أن أطرقت سمعي لتلك القصة التي اختصرتها لك عزيزي القارئ، قضيت ليلتي أفكر وأتساءل.! كيف أننا ومن فرط ثقتنا وحبنا للآخر نصل به لمرحلة الاختناق.. بنا؟ وكيف نسمح لأرواحنا الشفافة أن تصبح عبئا ثقيلا على من نحب؟ ولماذا نربط الصداقة والمحبة دوما بالتفرغ الكامل لنا وحدنا.. أليست أنانية؟ ولم نضع اللوم على الآخر ونطالبه بمنحنا المزيد من وقته دون أن نبادر نحن بمنحه ولو القليل؟ وهل لنمط الحياة يد في هذا الضيق الذي نشعر به وتكشفه ملامحنا حين يعترض أحد ما طريقنا راغبا في الفضفضة؟ أخيرا وبعد كل تلك التساؤلات أقول.. العلاقات الإنسانية التي تربطنا ببعضنا ليست معقدة مع أنها تبدو كذلك أحيانا، فالأمر متوقف علينا أولا وأخيرا، والإنسان منا يتناسى بأنه بحاجة دائما وأبدا للحديث مع نفسه ومراجعتها وملاحظة ما يزعج الآخرين من حولنا! والأهم من ذلك كله أن نعطي مساحة للآخر يمارس فيها حقه الطبيعي في العيش دون مصادرة ذلك بحجة «الحب» أو «الواجب»! فلنبدأ اليوم.. لئلا نكون سببا في رسم الدمعة على الثغر المبتسم. [email protected]