في كل إجازة قصرت أم طالت يتحرك المواطنون لقضاء إجازاتهم خارج البلاد، وخلال إجازة عيد الأضحى حزم مئات الآلاف حقائبهم وغادروا إلى مطارات العالم بحثا عن لحظات لتبديد رتابة واقعهم، وهذا خيار شخصي لكل فرد منا ويقابل هذه الرغبة محطات دولية تستهدف الجذب السياحي وتعمل جاهدة على إراحة القادمين إليها بتوفير كل ما يطلبه السائح من أجواء تحقق له تجدد اللحظة وتبدد السأم والاستمتاع بالوقت. يحدث هذا وهيئة السياحة تقتعد جانبا قصيا وتشاهد الراحلين من غير أن تجهد نفسها بإحداث استقطاب مقابل من خلال توفير سياحة داخلية حقيقية.. فهذا الرحيل الدائم يقترن دائما بالصرف المادي ولو أردنا الدخول إلى دائرة الاقتصاد سوف نجد أن السياحة الخارجية تستنزف مبالغ ضخمة تصرف بالخارج من غير أن يتم استقطاب هذه المصروفات داخليا. وهذا القول هو مراجعة لشعار السياحة الداخلية التي ظلت إلى الآن مجرد شعار لم يتم تفعيله بما يحقق ذلك الاستقطاب. ومن نافلة القول أن الاستثمار السياحي لا يحتاج إلى شعارات تعلق في الهواء من غير العمل على تحقيق الجذب في الواقع، فما الذي أحدثه شعار (السياحة الداخلية) من تغير ووسائل جذب منذ أن رفع إلى الآن ؟ هو سؤال يجيب عليه الواقع، فالسياحة مرتبطة بالمكان والخدمات المقدمة والمواصلات وتنوع وسائل الترفيه والأسعار والتسهيلات والاحتفاء وكل مفردة من المفردات السابقة لن تمطرها السماء علينا كهبة أو منحة ما لم يكن هناك خطط حقيقية لإحداثها. ونحن كبلاد متسعة ومتنوعة التضاريس والمناخات نحقق اللبنة الأولى لطالب السياحة الباحث عن التنوع المكاني إلا أن بقية الشروط السياحية تكاد تكون معدومة، ولو أخذنا المنطقة الجنوبية مثالا لتنوع التضاريس والمناخات لوجدنا أنها مناطق سياحية من الدرجة الأولى كمكان إلا أنها تفتقر لبقية مقومات الجذب السياحي فهي مواقع طبيعية لم تقم عليها مشاريع سياحية بدءا من توفر الفنادق (الكافية) مرورا بارتفاع الأسعار وعدم توفر مواصلات جوية بالكفاءة التي ينشدها السائح وعدم توفر برامج ترفيهية، فالسائح عندما يقصد مكانا لا يريد أن ينام من أول الليل، وهذا يقتضي أن تتوفر برامج ترفيهية تحقق للسائح المتعة طوال الوقت وليس جزءا من نهار فحسب. ولو أردنا الإمعان في ذكر المعوقات سنجدها معوقات ناشئة من مفهومنا للسياحة فهيئة السياحة لم تستطع أن تحدث تغيرا جذريا لهذا المفهوم ولم تستطع اختراق المفاهيم السائدة للسياحة من خلال جذب السائح والمستثمر في إحداث النقلة النوعية. وأعتقد ان من أهم المعوقات استسلام الهيئة للواقع القائم من غير أن تعمل جاهدة لإحداث نقلة في مفهوم السياحة ولو أنها ناضلت من أجل إحداث التغير منذ وقت مبكر لكانت الآن تقف في نقطة متقدمة عما هي عليه الآن. ولأنها ارتضت بالواقع فعلينا أن نحزم حقائبنا للخارج فهناك من يرحب بأموالنا المسكوبة في بلاده!.